البابا فرنسيس يحتفل بالقداس الإلهي بمناسبة الإحتفال بعيد القديسين الرسولين بطرس وبولس

متفرقات

البابا فرنسيس يحتفل بالقداس الإلهي بمناسبة الإحتفال بعيد القديسين الرسولين بطرس وبولس







البابا فرنسيس يحتفل بالقداس الإلهي بمناسبة الإحتفال بعيد القديسين الرسولين بطرس وبولس



ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الإثنين القدّاس الإلهيّ في بازيليك القدّيس بطرس بالفاتيكان بمناسبة الاحتفال بعيد القدّيسين الرّسولين بطرس وبولس، سلّم خلاله درع التّثبيت لستّة وأربعين أسقفًا وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة إستهلّها بالقول: تحدّثنا القراءة الأولى من سفر أعمال الرّسل عن الجماعة المسيحيّة الأولى التي تتعرّض للإضطهاد. جماعة مُضطهدة بقساوة من قبل هيرودس الذي "قَتَلَ بِحَدِّ السَّيفِ يَعقوبَ أَخا يوحَنَّا" و"قَبَضَ أَيضًا على بُطرُس...وأَمسَكَه ووَضَعَه في السِّجْن" (أعمال 12، 2- 4).


 ولكنني لا أريد أن أتوقّف عند الإضطهادات المروعّة وغير الإنسانيّة والتي وللأسف لا تزال حاضرة في يومنا هذا في أنحاء عديدة من العالم وغالبًا تحت أنظار الجميع وبصمتهم. أريد اليوم أن أكرّم شجاعة الرّسل والجماعة المسيحيّة الأولى؛ شجاعة حمل عمل البشارة، في الإطار الإجتماعيّ لإمبراطوريّة وثنيّة، بدون خوف من الموت والإستشهاد، وأن أكرّم حياتهم المسيحيّة التي تشكّل لنا اليوم دعوة قويّة للصّلاة والإيمان والشّهادة.


تابع الأب الأقدس يقول دعوة للصّلاة. لقد كانت الجماعة كنيسة مصليّة: "كانَ بُطرُسُ مَحفوظًا في السِّجْن، ولكِنَّ الصَّلاةَ كانت تَرتَفِعُ مِنَ الكَنيسةِ إِلى اللهِ بِلا انقِطاعٍ مِن أَجلِه" (أعمال 12، 5). وإذا فكّرنا بروما، نجد أنّ الدياميس لم تكن أماكن للهروب من الإضطهادات وإنّما أماكن للصّلاة، لتقديس يوم الأحد ولرفع العبادة، من أحشاء الأرض، لله الذي لا ينسى أبناءه أبدًا. تعلمنا جماعة بطرس وبولس أنّ الكنيسة المصليّة هي كنيسة راسخة وفي مسيرة! في الواقع إن المسيحي الذي يصلّي هو مسيحي محفوظ ومحمي وليس وحيدًا أبدًا.


وتتابع القراءة الأولى: "وكانَ بُطرُسُ... راقِدًا بَينَ جُندِيَّين، مَشْدودًا بِسِلسِلَتَين، وعلى البابِ حَرَسٌ يَحرُسونَ السِّجْن. وإِذا مَلاكُ الرَّبِّ يَمثُل، فيُشرِقُ النُّوُر في الحَبْس. فضَرَبَ المَلاكُ بُطرُسَ على جَنبِه فأَيقَظَه... فسَقَطتِ السِّلسِلتانِ عن يَدَيه" (أعمال 12، 6- 7).


لنفكّر كم من مرّة استجاب الرّبّ صلاتنا مرسلاً لنا ملاكًا؟ ذاك الملاك الذي يأتي للقائنا وينتشلنا من أوضاع صعبة وينقذنا من بين يديّ الموت والشرّير؛ ليرشدنا في السّبيل ويضرم فينا مجدّدًا شعلة الرّجاء ويعزّي قلبنا المنكسر ويوقظنا من الرّقاد الوجوديّ ويقول لنا ببساطة: "لست وحدك". كم من ملاك يضع على دربنا! ولكننا وإذ يأخذنا الخوف والشكّ نتركهم خارجًا على الباب – تمامًا كما حصل مع بطرس عندما قرع باب البيت "فأَقبَلَت جارِيَةٌ اسمُها رَوْضَةُ تَتَسمَّع. فعَرَفَت صَوتَ بُطرُس، فلَم تَفتَحِ البابَ مِن فَرَحِها" (أعمال 12، 13- 14).


لا يمكن لأيّ جماعة مسيحيّة أن تسير قدمًا بدون عضد الصّلاة المستمرّة! الصّلاة هي لقاء مع الله، مع الله الذي لا يخيّب أبدًا؛ مع الله الأمين لكلمته، مع الله الذي لا يترك أبناءه. لقد كان يسوع يتساءل: "أَفما يُنصِفُ اللهُ مُختاريهِ الَّذينَ يُنادونه نهاراً ولَيلاً وهو يَتَمهَّلُ في أَمرِهم؟" (لوقا 18، 7). فالمؤمن يعبّر من خلال الصّلاة عن إيمانه وثقته، أمّا الله فيعبّر عن قربه من خلال عطيّة الملائكة رسله.


تابع البابا فرنسيس يقول دعوة للإيمان: في القراءة الثانية يكتب القدّيس بولس لتيموتاوس: "لكِنَّ الرَّبَّ كانَ معي وَقَوَّاني، لِتَقومَ البِشارةُ عن يَدي، ...فنَجَوْتُ مِن شِدْقِ الأَسَد، وسَيُنَجِّيِنيَ الرَّبُّ مِن كُلِّ مَسْعًى خَبيث ويُخلِّصُني، وَيَجعَلُني لِمَلَكوتِه السَّماوِيّ" (2 تيم 4، 17- 18). فالله لا يُبعد أبناءه عن العالم أو عن الشرّ وإنّما يمنحهم القوّة ليتغلّبوا عليهما. وبالتّالي وحده المؤمن يمكنه أن يقول: "الرّبّ راعيّ فلا يعوزني شيء" (مز 23، 1).


كم من القوّات، حاولت عبر التّاريخ – ولا تزال تحاول – أن تدمّر الكنيسة، من الخارج ومن الدّاخل، ولكنّها تُدمَّر جميعها وتبقى الكنيسة حيّة وخصبة! تبقى ثابتة لكي، وكما يقول القدّيس بولس، تتمكن من أن تهتف: "لَه المَجْدُ أَبَدَ الدُّهور" (2 تيم 4، 18). كلُّ شيء يزول لكن الله يبقى.


في الواقع لقد زالت مملكات وشعوب وثقافات وأمم وإيديولوجيات وسلاطين، لكن الكنيسة المبنيّة على المسيح وبالرغم من العواصف العديدة وخطايانا الكثيرة، بقيت أمينة لوديعة الإيمان في الخدمة، لأنّ الكنيسة ليست للباباوات والأساقفة والكهنة كما وليست للمؤمنين وإنّما هي للمسيح فقط؛ ووحده الذي يعيش في المسيح يعزّز ويدافع عن الكنيسة بقداسة حياته على مثال بطرس وبولس. فالمؤمنون باسم المسيح قد أقاموا الموتى وشفوا المرضى وأحبوا مُضطهديهم وأظهروا بأنّه ما من قوّة قادرة على التغلّب على الذي يملك قوّة الإيمان.


أضاف الأب الأقدس يقول دعوة للشّهادة: إنّ بطرس وبولس كجميع رسل المسيح الذين، خلال حياتهم الأرضيّة، أخصبوا الكنيسة بدمهم، قد شربا أيضًا كأس الرّبّ وأصبحا صديقيّ الله. يكتب بولس بتأثُّر لتيموتاوس: "أَيُّها الحَبيب: هاءَنَذا أُعَدُّ قُرْبانًا لِلرَّبّ، فقَدِ اقتَرَبَ وَقْتُ رَحيلي. جاهَدتُ جِهادًا حَسَنًا وأَتمَمْتُ شَوطي وحافَظتُ على الإِيمان، وقَد أُعِدَّ لي إِكْليلُ البِرِّ الَّذي يَجْزيني بِه الرَّبُّ الدَّيَّانُ العادِلُ في ذلِكَ اليَوم، لا وَحْدي، بل جَميعَ الَّذينَ يَشتاقونَ إِلى ظُهورَه" (2 تيم 4، 6- 8).


فالكنيسة أو المسيحيّ بدون الشهادة هو عقيم؛ ميّت يعتقد بأنّه على قيد الحياة؛ شجرة يابسة لا تعطي ثمرًا؛ بئر جاف لا يعطي ماء! لكن الكنيسة قد غلبت الشرّ بشهادة أبنائها الشُجاعة والملموسة والمتواضعة. لقد تغلّبت على الشرّ بفضل إعلان بطرس الواثق: "أَنتَ المسيحُ ابنُ اللهِ الحَيّ" ووعد يسوع الأزليّ (راجع متى 16، 13- 18).

أيّها الأساقفة الأعزاء الذين تنالون اليوم درع التّثبيت، إنّه العلامة التي تمثل الحَمَل الذي يحمله الرّاعي على كتفيه كالمسيح، الرّاعي الصّالح وهو العلامة لمهمتكم الرّاعويّة.


وبدرع التّثبيت هذا أريد اليوم أن أَكِلَ إليكم هذه الدّعوة للصّلاة والإيمان والشهادة. فالكنيسة تريدكم رجال صلاة ومعلّمي صلاة يعلّمون الشّعب الذي أوكله الربّ إليكم أن التحرّر من جميع أشكال التكبيل هو فقط عمل الله وثمرة الصّلاة، وأن الله يرسل ملاكه في الوقت المناسب ليخلّصنا من العديد من أشكال العبوديّة والسلاسل الدنيويّة. كونوا أنتم أيضًا للأشد عوزًا ملائكة ورسل محبة! الكنيسة تريدكم رجال إيمان ومعلّمي إيمان يعلّمون المؤمنين ألا يخافوا من العديد الذين وكهيرودس يعذّبون باضطهادات وصلبان وكلّ نوع.


لا يمكن لأيّ هيرودس أن يُطفأ شعلة الرّجاء والإيمان والمحبّة في الذي يؤمن بالمسيح! الكنيسة تريدكم رجال شهادة، وما من شهادة بدون حياة ملموسة! فاليوم لا نحتاج لمعلّمين وإنما لشهود شجعان؛ شهود لا يستحون باسم المسيح وصليبه أمام الأسود الزائرة وسلاطين هذا العالم على مثال بطرس وبولس والعديد من الشهود الآخرين عبر تاريخ الكنيسة الذين وبالرّغم من انتمائهم لطوائف مسيحيّة مختلفة ساهموا في إظهار ونموّ جسد المسيح الواحد.


وختم البابا فرنسيس عظته بالقول إنّ الأمر بسيط جدًّا لأنّ الشهادة الأكثر فعاليّة وأصالة هي تلك التي لا تُظهر تناقضًا بين التّصرّف والحياة وما نبشّر به بالكلمة ونعلّمه للآخرين! أيّها الإخوة الأعزاء، علّموا الصّلاة بالصّلاة؛ أعلنوا الإيمان من خلال الإيمان وقدّموا الشهادة من خلال العيش!    


إذاعة الفاتيكان