البابا فرنسيس يترأس القداس الإلهي في هوانتشاكو

متفرقات

البابا فرنسيس يترأس القداس الإلهي في هوانتشاكو

 

 

 

 

البابا فرنسيس يترأس القداس الإلهي في هوانتشاكو

 

 

 

 

 

ترأس قداسة البابا فرنسيس عند الساعة العاشرة من صباح السبت العشرين من كانون الثاني يناير، القداس الإلهي في هوانتشاكو، في إطار زيارته الرسولية إلى بيرو، وألقى عظة للمناسبة استهلها بالقول

 

إن لهذه الأراضي نكهة الإنجيل. إن كل البيئة المحيطة بنا وهذا البحر الشاسع في الخلفية يساعداننا على أن نفهم بشكل أفضل الخبرة التي عاشها الرسل مع يسوع والتي نحن أيضًا مدعوون اليوم لعيشها. يسعدني أنكم وصلتم من أماكن عديدة من شمال بيرو للاحتفال بفرح الإنجيل هذا.

 

 تلاميذ الأمس، ككثيرين منكم اليوم، كانوا يكسبون رزقهم من صيد السمك. كانوا يبحرون على متن مراكب مثلما يواصل بعض منكم ذلك على "caballitos de totora"  (مراكب صغيرة بمقعد واحد مصنوعة من نبتة توتورا) وسواء هم أو أنتم للهدف نفسه: كسب القوت اليومي.

 

ويرتبط بذلك الكثير من تعبنا اليومي: التمكّن من إعالة عائلاتنا وتأمين ما يساعدها لبناء مستقبل أفضل. إن "بحيرة الأسماك الذهبية" هذه، كما أرادوا تسميتها، كانت مصدر حياة وبركة لأجيال كثيرة. وعلى مر الزمن، تمكّنت من تغذية أحلام وآمال. إنكم، وكالرسل، تعرفون قوة الطبيعة وقد اختبرتم ضرباتها. وكما واجهوا العاصفة على البحيرة، كان عليكم أن تواجهوا الضربة القاسية لـ "Niño costiero" والتي لا تزال تبعاته الأليمة حاضرة في عائلات كثيرة، ولاسيما تلك التي لم تتمكن بعد من إعادة بناء بيوتها. ولهذا أيضًا، أردتُ أن آتي وأصلي هنا معكم.

 

 نحمل إلى هذا القداس الإلهي أيضًا تلك اللحظة البالغة الصعوبة التي تسائل إيماننا وتضعه موضع شك مرات كثيرة. نريد أن نتحد بيسوع. فهو يعرف الألم والمحن؛ لقد مرّ بالآلام كافة كي يرافقنا في آلامنا. يسوع على الصليب يريد أن يكون قريبًا من كل وضع مؤلم كي يمدّ لنا يده ويساعدنا على أن ننهض. ولأنه دخل تاريخنا، أراد أن يشاركنا مسيرتنا ويلمس جراحنا. إلهنا ليس غريبًا عمّا نشعر به ونعاني منه، بل بالعكس، فإنه وسط الألم يمدّ لنا يده. إن هذه الهزات القوية تضع موضع نقاش وعلى المحك قيمة روحنا وتصرفاتنا الأساسية. وهكذا نعي أهمية ألا نكون وحدنا بل متحدين، ممتلئين بتلك الوحدة التي هي ثمرة الروح القدس.

 

 ماذا حصل للفتيات في الإنجيل الذي استمعنا إليه ( متى ۲٥، ۱ -۱۳)؟ لقد سمعن فجأة صياحًا أيقظهنّ وجعلهن يتحرّكن. إنتبه بعضهن إلى أنه ليس لديهنّ الزيت اللازم لإنارة الطريق في الظلمة، فيما ملأت أخريات مصابيحهن وتمكنّ من إيجاد وإنارة الطريق الذي قادهنّ إلى العريس. وفي اللحظة المحددة، أظهرت كل واحدة ما ملأت به حياتها. الشيء نفسه يحصل لنا. ففي ظروف معيّنة نفهم بأي شيء ملأنا حياتنا. كم هو مهم أن نملأ حياتنا بذاك الزيت الذي يسمح بإنارة مصابيحنا في أوضاع الظلمة المتعددة وإيجاد الدروب للمضي إلى الأمام!  

 

 أعلم أنه في لحظة الظلمة، حين شعرتم بضربة الـ "Niño"، تمكنت هذه الأراضي من التحرك وكان لديها الزيت للإسراع ومساعدة بعضها البعض كأخوة حقيقيين. كان هناك زيت التضامن، السخاء الذي جعلكم تتحركون وخرجتم للقاء الرب بأفعال مساعدة ملموسة عديدة. في وسط الظلمة، ومع كثيرين آخرين، كنتم مشاعل حية وأضأتم الطريق بأياد مفتوحة ومستعدة لتخفيف الألم ومقاسمة ما كان لديكم في فقركم.

 

يمكننا أن نرى في القراءة أن الفتيات اللواتي لم يكن لديهن الزيت ذهبن إلى البلدة لشرائه. في اللحظة الحاسمة في حياتهن انتبهن إلى أن مصابيحهن كانت فارغة، إلى أنه كان ينقصهن الأساسي كي يجدن طريق الفرح الحقيقي. كن وحيدات وهكذا بقين خارج العرس. هناك أشياء، كما تعلمون جيدا، لا يمكن ارتجالها ولا يمكن حتى شراؤها. تقاس روح جماعة ما بقدرتها على الاتحاد لمواجهة اللحظات الصعبة، الشدائد، للحفاظ على الرجاء حيًّا.

 

بهذا التصرف تقدمون أكبر شهادة للإنجيل: "إذا أحب بعضكم بعضًا، عرف الناس جميعا أنكم تلاميذي" (يو ١۳، ۳٥). لأن الإيمان يجعلنا ننفتح على أن تكون لدينا محبة ملموسة، مكوَّنة من أفعال، أياد ممدودة، شفقة؛ محبة قادرة على بناء الرجاء وإعادة بنائه حين يبدو وكأن كل شيء قد ضاع. وهكذا نصبح مشاركين في عمل الله، ذلك العمل الذي يصفه لنا يوحنا الرسول حين يرينا الله الذي يمسح دموع أبنائه. وهذا العمل الإلهي يقوم به الله بالحنان ذاته لأم تحاول أن تمسح دموع أبنائها. ما أجمل السؤال الذي سيوجهه إلينا الرب: كم دمعة مسحتَ اليوم؟

 

 يمكن أن تضرب عواصف أخرى هذه السواحل، ولها تبعات مدمرة في حياة أبناء هذه الأراضي. عواصف تسائلنا كجماعة أيضا وتطال قيمة روحنا. تُسمى عنفَا منظَّمًا مثل تأجير القتلة وما يخلق من عدم أمن؛ غياب فرص التعليم والعمل وخاصة بين الشباب ما يمنعهم من بناء مستقبل كريم؛ عدم توفر مسكن آمن لعائلات كثيرة مضطرة للعيش في مناطق تعاني من عدم استقرار كبير وبدون منافذ آمنة؛ وأيضا أوضاع أخرى كثيرة تعرفونها وتعانون منها، تحطِّم، كأسوأ الفيضانات، الثقة المتبادلة الضرورية لتأسيس شبكة مساعدة ورجاء. فيضانات تضرب الروح وتتطلب منا الزيت الذي عندنا لمواجهتها.

 

 كثيرًا ما نتساءل حول كيفية مواجهة هذه العواصف أو كيف علينا أن نساعد أبناءنا ونتجاوز هذه الأوضاع. أريد أن أقول لكم: ما من وسيلة خروج أفضل من تلك التي يقدمها الإنجيل واسمها يسوع المسيح.

 

إملؤوا حياتكم دائما بالإنجيل. أريد أن أحثكم على أن تكونوا جماعة تجعل ربها يمسحها بزيت الروح القدس. فهو يحوِّل كل شيء، يجدد كل شيء، يعزي كل شيء. في يسوع لدينا قوة الروح القدس كي لا نقبل كأمر طبيعي ما يضرنا، ما يُيبِّس روحنا، والأسوأ من هذا ما يسلبنا الرجاء. في يسوع لدينا الروح القدس الذي يبقينا متحدين لندعم بعضنا البعض ونواجه ما يريد أن يسلب أفضل ما في عائلاتنا.

 

في يسوع يجعلنا الله جماعة مؤمنة قادرة على الدعم المتبادل؛ جماعة ترجو، ولهذا تكافح من أجل صد وتحويل الشدائد العديدة؛ جماعة تحب لأنها لا تسمح بأن نكون مكتوفي الأيدي. مع يسوع ستتمكن روح شعب تروخيللو هذا من الاستمرار في أن تُسمى "مدينة الربيع الدائم"، لأن كل شيء معه يصبح فرصة رجاء.  

 

 

وفي ختام عظته في هوانتشاكو، قال البابا فرنسيس أعرف المحبة التي تكنها هذه الأرض للعذراء، وأعلم كم أن الإكرام الذي تقدمونه لمريم يعضدكم ويحملكم دائمًا إلى يسوع. نطلب منها أن تأخذنا تحت حمايتها وتحملنا دائمًا إلى ابنها، ولكن فلنَقُل هذا مغنين أغنية البحَّارة الجميلة: "يا سيدة البوابة، امنحيني بركتك، يا سيدة البوابة، أعطينا السلام والمحبة".

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.