البابا فرنسيس لإكليروس أبرشيّة روما

متفرقات

البابا فرنسيس لإكليروس أبرشيّة روما

 

 

 

 

"الدرب الوحيدة هي درب المغفرة لكي نُسقط شيطان الكبرياء وتتحقق المصالحة في جماعاتنا وفي الكنيسة" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في لقائه مع إكليروس أبرشيىة روما.

 

 

 

 

حوار مغلق مع أعضاء إكليروس أبرشيّة روما إلتقاهم البابا فرنسيس في اللقاء السنوي المعتاد لرتبة التوبة التقليدية في بداية الصوم في بازيليك القديس يوحنا اللاتيران. وبعد تأمل الكاردينال أنجلو دوناتيس، منح الأب الأقدس سرّ الاعتراف لبعض الكهنة وختم الاحتفال مقدِّمًا للحاضرين دليل قراءات لعيش هذا الزمن الليتورجي. وفي الكلمة العفوية التي ألقاها للمناسبة تأمل الحبر الأعظم حول معنى الصوم وقوّة المغفرة التي تعيد إحلال الشركة على جميع الأصعدة وحول نعمة رحمة الله التي تعيش فيها الكنيسة وتتغذّى منها.

 

 

 

قال البابا فرنسيس: 

 

 

لا يجب أن نتوقّف ابدًا عن تحذير بعضنا البعض من تجربة الاكتفاء الذاتي والرضا الذاتي كما ولو أننا أصبحنا شعب الله بفضل مبادرتنا الخاصة أو لاستحقاقاتنا وانعكاس هذا الأمر علينا هو سيء جدًّا ويؤذينا على الدوام، وهذا الأمر ينطبق إما على الاكتفاء الذاتي في ما نفعله أو على الرضا الذاتي. ولذلك علينا أن نتعلّم أن نضع الله في محور كلِّ شيء ونعترف أننا شعبه لا لاستحقاقاتنا وإنما بفضل نعمته لأنّه هو الذي قال لنا: "بدوني لا يمكنكم أن تفعلوا شيئًا". لذلك علينا أن نستعمل ما يعرف بالـ "الاستسلام السليم" وهو بعيد كل البعد عن الكسل والخمول لأنه استسلام لمشيئة الله.

 

 

 

وإذ تأمل حول سفر الخروج والمقترح كنموذج خلال سنوات المسيرة هذه نحو يوبيل عام ٢٠٢٥، وجّه البابا فرنسيس النظر إلى عمل الرب الكبير الذي يحول مجموعة أشخاص إلى شعب الله: عمل مصالحة صبور، أسلوب تربية حكيم يهدد من خلاله من جهة ويعزي من جهة أخرى فيجعلهم يدركون تبعات الشر الذي تمَّ ارتكابه وينسى الخطيئة. وبالتالي دعا البابا فرنسيس لعدم الخوف من لحظات اليأس الروحي، كذلك الذي عاشه شعب إسرائيل، أي من عيش غياب الله المؤقّت كعطيّة رافضين أية درب بديلة والأصنام.

 

 

لكن الرب فائق الذكاء! والمصالحة التي يريد أن يقدّمها للشعب ستكون درسًا سيتذكّره الإسرائيليون إلى الأبد. إن الله يتصرّف كحبيب مرفوض: إن كنتَ لا تريدني فسأذهب! ويتركنا لوحدنا. صحيح أنّه يمكننا أن نتدبّر أمورنا لوحدنا لفترة، ستة أشهر أو سنة أو ربما سنتين أو أكثر، ولكن نصل إلى مرحلة ينفجر فيها كل شيء، إن سرنا وحدنا سينفجر هذا الاكتفاء الذاتي وهذا الرضا بالنفس في العزلة.

 

 

 

وتحدّث الاب الأقدس في هذا السياق عن كاهن يعرفه كان ناجحًا وغالبًا ما كان رؤساؤه يرسلونه ليحل المشاكل في الجماعات الراعوية ولكنّه كان مكتفيًا بذاته "ومتعبِّدًا للإله المرآة" إلى أن منحه الله نعمة عيش اليأس ليفهم أن الوقت الذي أضاعه في البحث عن اكتفائه الذاتي تركه وحيدًا. عندها بكي وانطلق مجددًا في حياته بتواضع. من هنا حث الحبر الأعظم الإكليروس على طلب نعمة الدموع وعلى اختبار "الحزن السليم" لغياب الله الذي يكون ليعود ويمنحنا نعمة حضوره ويسلّط الضوء على التغيّرات الإيجابية لكل خبرة أليمة، على مثال شعب إسرائيل، كما يصف سفر الخروج، الذي اكتسب نضجًا جديدًا وأصبح أكثر تنبّهًا في فهم المخاطر الحقيقية في المسيرة.

 

 

 

هذا أمر جيّد تابع البابا فرنسيس يقول أن نخاف قليلاً من أنفسنا ومن قدرتنا ومن دهائنا وألعابنا المزدوجة، وعلينا أن نخاف من هذه الأمور أكثر من خوفنا من الحيّات لأنها سم حقيقي... وهكذا اجتمع الشعب حول موسى وحول كلمة الله التي أعلنها لهم. إن خبرة الخطيئة وخبرة مغفرة الله هما ما سمح لشعب إسرائيل أن يصبح الشعب الذي ينتمي لله. هذا وتوقف البابا في تأمّله أيضًا عند خبرة الاعتراف بالخطيئة التي غالبًا ما نخفيها لا عن الله فقط وإنما عن الكاهن وعن أنفسنا أيضًا إذ قد أصبحنا خبراء في تجميل الأوضاع، وقال علينا أن نغسل مواد التجميل هذه لنرى أننا لسنا جميلين كما نتصوّر ولكن لا يجب أن نيأس لأن الله شفوق ورحوم.

 

 

 

ولذلك دعا الحبر الأعظم الكهنة والأساقفة لكي يعظوا خلال زمن الصوم عن محبة الله الشغوفة وغيرته التي يشعر بهما تجاه شعبه وإنما أن يكونوا أيضًا مدركين لدور الكنيسة في تقديم خدمة سخيّة في عمل مصالحة الله؛ وحثّهم على الحوار الصريح مع المسيح. وطلب منهم ألا يعتبروا أنفسهم مدبّرين للشعب بل خدامًا لا يقبلون الفساد، يتّحدون مع الإخوة والجماعة مستعدّين للكفاح مع الشعب وفي هذا السياق أدان الأب الأقدس موقف الكهنة الذين يتكلمون بالسوء للأسقف عن أبناء رعاياهم وجميع الشرور التي تشوّه صورة الكنيسة. وقال إنَّ الخطيئة تشوّهنا ونختبر بأنفسنا بألم هذه الخبرة المهينة عندما نقع أو يقع أحد إخوتنا الكهنة أو الأساقفة في هاوية الفساد أو الجريمة التي تدمّر حياة الآخرين.

 

 

 

 

وفي هذا الإطار ذكّر البابا فرنسيس بألم ومرارة بخطيئة الاعتداءات التي ارتكبها أعضاء من الإكليروس وقال أشعر بالحاجة لأقاسمكم الألم والعذاب اللذان تسببهما فينا وفي الجسم الكنسي موجة الفضائح التي امتلأت بها صحف العالم. من الواضح أنَّه علينا أن نبحث عن المعنى الحقيقي لكل ما يحصل في روح الشر، العدو الذي يعمل في هدف أن يسيطر على العالم. لا يجب أن نفقد الشجاعة! إن الرب ينقّي عروسته وهو يردّنا إليه. يجعلنا نختبر المحن لكي نفهم أننا لا شيء بدونه؛ هو ينقذنا من الرياء ومن روحانية الظهور.

 

 

 

وأضاف الحبر الأعظم يقول إنَّ الله ينفخ روحه ليعيد الجمال لعروسته ولكنّ التوبة أساسيّة لا بل هي بداية قداستنا. لذلك طلب البابا من كهنة روما ألا يخافوا من المخاطرة في خدمة المصالحة بين الله والبشر بالرغم من أنّه يمكن لحياة الكاهن أن تكون غالبًا مطبوعة بعدم التفهّم والألم وأحيانًا بالاضطهادات والخطايا.

 

 

 

 

تابع الأب الأقدس يقول إنَّ الجراح بين الإخوة في جماعتنا، وعدم قبول كلمة الإنجيل واحتقار الفقراء والاستياء الذي تغذيه مصالحات لم تتم والفضيحة التي سببتها تصرّفات بعض إخوتنا، جميع هذه الأمور يمكنها أن تمنعنا من النوم وأن تتركنا في العجز. ولكن علينا أن نؤمن بقيادة الله الصبورة الذي يقوم بالأمور في وقتها وأن نوسِّع قلوبنا ونضع أنفسنا في خدمة كلمة المصالحة.

 

 

 

 

وختم البابا فرنسيس تأمّله داعيًا أعضاء إكليروس أبرشيّة روما لطلب المغفرة من الله والإخوة عن جميع الخطايا التي هدّدت الشركة الكنسية وخنقت الديناميكية الرسولية وقال كونوا أنتم أول من يطلب المغفرة، كما في السماء كذلك على الأرض، لكي نعيش زمن صوم مطبوع بالمحبة ونجيب على جميع أشكال الفقر ونعضد المحتاجين.

 

 

 

 

إذاعة الفاتيكان.