في إطار زيارة الأب الأقدس الرَّسوليَّة إلى ايرلندا لمناسبة اللقاء العالمي التاسع للعائلات توجَّه قداسة البابا فرنسيس بعد ظهر السبت 25 آب أغسطس إلى كاتدرائية القدِّيسة مريم في دبلن، وكان في استقباله رئيس أساقفة دبلن المطران ديارمويد مارتين. رحَّب بعد ذلك بالأب الأقدس زوجان مسنان، فنسنت وتيريزا غامبل، احتفلا مؤخرا بالعام الخمسين لزواجهما، ثمَّ وجَّه زوجان من الشباب أسئلة إلى الحبر الأعظم.
بدأ قداسته بعد ذلك كلمته معربًا عن سعادته بهذا اللقاء في كاتدرائيَّة القدِّيسة مريم التي شهدت الكثير من الاحتفالات بسرِّ الزواج، وبلقائه في هذا المكان العديد من المخطوبين والمتزوجين مشيرًا إلى جمال الزواج وتقاسم الحياة، كما شكر المطران مارتن رئيس أساقفة دبلن على ترحيبه. ثمَّ أراد الحبر الأعظم توجيه شكر خاص للزوجين فنسنت وتيريزا غامبل على ما قدَّما من شهادة متحدثَين عن 50 سنة من الزواج والحياة العائلية، وأضاف أن هذا الشكر هو لكلمات التشجيع من جهة وللتحديات التي طرحاها على الأزواج الجدد والمخطوبين من جهّة أخرى، وذلك لا فقط في ايرلندا بل في العالم بأسره. ذكَّر قداسته أيضًا بأهميَّة الإنصات إلى المسنين، إلى الأجداد، وتابع مشددًا على الحاجة المتواصلة إلى مثل هذه الشهادات المفعمة بالإيمان والتي هي مورد ثمين للشبان الذين ينظرون إلى المستقبل بمشاعر قوية ورجاء وربما بشيء من القلق.
وجه الأب الأقدس حديثه بعد ذلك إلى من وجهوا إليه الأسئلة الصريحة حسب ما ذكر، وفي توقفه عند السؤال الأول الذي طرحه شاب وفتاة يستعدان للزواج، وهو كيف يمكنهما مساعدة الآخرين على فهم أن الزواج ليس مجرّد مؤسَّسة بل هو دعوة وقرار واعٍ يدوم مدى الحياة بالعناية والمساعدة والحماية المتبادلة، قال قداسته إن الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة، وتابع أننا اليوم لم نعد معتادين على أمور تدوم مدى الحياة كما أنّه من الصعب مجاراة العالم المتغير حولنا. وأضاف أن سؤال الشابين هو على الأرجح أكثر عمقا، أي ألا يوجد بالفعل شيء ثمين يدوم؟ ولا حتى الحبّ؟
وفي إجابته تحدَّث البابا فرنسيس عن أنَّنا نعيش اليوم ثقافة المؤقت والسريع والزائل محذرا من خطر أن نبقى سجناء هذه الثقافة. أما مدى الحياة المرتبط بسرّ الزواج فيعني تغذية الحبّ وتنميته بالحبّ. وتابع مشدِّدًا على تميز وفرادة الزواج، الحبّ الذي يلد الحياة، ما يعني مسؤوليَّة نقل الحياة، هذه الهبة الإلهيَّة، ويوفر البيئة الثابتة التي يمكن للحياة الجديدة أن تنمو فيها وتزدهر. وتحدَّث البابا في هذا السياق عن سرِّ الزواج الذي يشترك بشكلٍ متميز في سرِّ محبَّة الله الأبديَّة، وأضاف أن هذا الرباط الذي يجمع رجلاً وامرأة مسيحيَّين يصبح أيضًا علامة العهد الجديد والأبدي بين الرّبّ وعروسه، الكنيسة. ثم تحدَّث عن محبَّة يسوع للمتزوجين واصفًا إيَّاها بالصخرة وبالملجأ في زمن التجارب، وفي المقام الأول بينبوع نمو متواصل في المحبَّة. ودعا قداسته الجميع ألا ينسوا أن الحبّ هو حلم الله لنا وللعائلة البشريَّة، حلم يريد منّا الله أن نجعله حلمنا. وتابع متحدِّثا عن أمانة الله للعهد مذكّرًا بما جاء في الكتاب المقدَّس "لن أتركك ولن أخذلك" (راجع عب 13، 5)، ودعا الأزواج والزوجات إلى تبادل هذا الوعد فيما بينهم.
ثمّ انتقل قداسة البابا إلى السؤال الثاني وهو لزوجين شابين حول كيفية نقل الوالدين الإيمان إلى الأبناء، وقال قداسته إن هناك برامج التعليم المسيحي الهامة التي تعدها الكنيسة للتربية على الإيمان، إلا أن المكان الأول لنقل الإيمان هو البيت، حيث يتمّ تعلّم الإيمان من خلال القدوة اليوميَّة للوالدين الذين يحبّون الربّ ويوكلون أنفسهم لكلمته. وتحدّث قداسته بالتالي عن "الكنيسة البيتيّة" التي يتعلم فيها الأبناء معنى الأمانة والنزاهة والتضحية حين يرون الآباء والأمهات يعتنون أحدهم بالآخر وبالآخرين، ويحبّون الله والكنيسة، فيتنفس الأطفال نسمة الإنجيل النضرة ويتعلمون الفهم والتقييم والعمل بشكل جدير بالإيمان الذي ورثوه. واسترجع قداسة البابا هنا تجربته الشخصيَّة من الطفولة حين تأثر برؤية والده عائدًا من العمل متعبًا لكنّه قبَّل زوجته والدة البابا ليعبِّر عن حبِّه لها. توقف الحبر الأعظم بعد ذلك عند أهميّة الصَّلاة معًا في العائلة والحديث عن الأشياء الصالحة والمقدسة، ودعا الأزواج إلى الاحتفال بالأعياد معًا ليدرك الأطفال معنى الاحتفال العائليّ، من الضروري أيضا عيش التضامن بعمق مع المتألمين والمهمشين كي يتعلّم الأبناء هذا. وتابع قداسته متحدِّثا عن عالم اليوم الذي لا يهتم بالضعفاء ومَن يعتبرهم غير منتِجين، عالم يطالبنا بأن نكون أقوياء ومستقلّين لا نكترث كثيرا بالوحيدين والحزانى أو المرضى، بالأطفال الذين لم يولدوا بعد وبالموشكين على الموت، وأضاف البابا أن عالمنا في حاجة إلى ثورة محبَّة ودعا الحضور إلى أن تبدأ هذه الثورة منهم، من عائلاتهم. وتابع قداسته أن هذه الثورة تتطلّب أيضًا ثورة حنان داعيًا الوالدين إلى أن يكونوا مثلا لأبنائهم كي يصبحوا جيلا أكثر محبَّة وعطفًا، غنيًا بالإيمان من أجل تجديد الكنيسة والمجتمع الايرلندي بكامله، وكي تضع محبّة الأزواج جذورًا أكثر عمقًا، وأشار إلى أن الأطفال لا يمكن أن يكبروا في المحبَّة بدون التواصل مع الأجداد.
وختم البابا فرنسيس كلمته خلال زيارته كاتدرائية القدِّيسة مريم في دبلن رافعًا باسمه وباسم العائلات الشكر لله على عطيَّة الإيمان ونعمة الزواج المسيحيّ، مؤكِّدًا الالتزام بخدمة ملكوت الله، ملكوت القداسة والعدالة والسَّلام، وذلك بالأمانة لوعودنا وباستمراريَّة الحبّ.
إذاعة الفاتيكان.