نعمة الله التي تأتينا عبر أشخاص صالحين يعبرون حياتنا، وأهمية الثقة في الله والصلاة ومساعدة الآخرين لمواجهة الصعاب، كانت هذه بعض أهم المواضيع التي تطرق إليها البابا فرنسيس خلال لقائه شباب ليتوانيا أمس في كاتدرائية العاصمة فيلنيوس، وذلك خلال أول أيام زيارته الرسولية إلى دول البلطيق.
في إطار زيارة البابا فرنسيس الرسولية إلى دول البلطيق، والتي بدأها السبت 22 أيلول سبتمبر متوجها إلى ليتوانيا، التقى قداسته بعد ظهر أمس في ساحة كاتدرائية العاصمة فيلنيوس الشباب الليتواني. استمع البابا في بداية اللقاء إلى شهادة فتاة وشاب، حيث تحدثت أولاً مونيكا عن تلقيها عطية الإيمان بفضل جدتها وهو حدث هام في حياتها. توقفت أيضا عند علاقتها الصعبة خلال الطفولة بوالدها الذي كان يضربها والذي حاول الانتحار وأدمن تعاطي الكحول عقب إفلاس شركته. ومقابل مشاعر الغضب التي تملكتها عثرت مونيكا على جماعة حية ومستقبِلة في إحدى الرعايا الفرنسيسكانية حيث بدأ الله مداواة جراها حسب ما ذكرت. توجهت بالتالي إلى والدها طالبة منه المغفرة واستبدلت مشاعر الغضب بالرحمة والصلاة. وختمت حديثها قائلة إنها لا تتخيل كيف كان لحياتها أن تكون في حال استمرت مشاعر الغضب إزاء والدها حتى وفاته منتحرا.
أما الشاب يوناس فتحدث عن العلاقة مع الله، فقد أصيب بمرض في جهاز المناعة يدمر الجسم تدريجيا. وتحدث هنا عن أهمية مرافقة زوجته له، وفي المقام الأول عن القوة التي تحلّى بها بفضل الثقة في الله، وتابع أنه يواصل الرجاء في الشفاء مؤكدا في المقابل أن هذه أفضل مراحل حياته، فهو يؤمن بأن لله مخططه لحياته، وختم واصفا الله والعائلة بالصخرة التي يستند إليها، والرجاء والدعم في الأفراح وفي الآلام.
بدأ الحبر الأعظم بعد ذلك كلمته إلى الشباب شاكرًا الشابَين على شهادتهما، متوقفًا عند ما وصفه بمرور الله في حياتنا، وقارن عدم انهيار مونيكا ويوناس بثبات الكاتدرائية التي تستضيف هذا اللقاء مع الشباب وأيضا بصمود هذا البلد، ليتوانيا، رغم ما واجه من صعاب. تحدث البابا فرنسيس بالتالي عن نعمة الله هذه فقال للشابين إن مصدرها أشخاص صالحون عبروا حياتهما، أي الجدة والأم وجماعة الرعية بالنسبة لمونيكا، والزوجة بالنسبة ليوناس. وأكد قداسة البابا أن الرب يخلصنا بجعلنا جزءًا من شعب، ولا يمكن لأحد القول إنه سيَخلص بمفرده، ودعا الشباب إلى تفادي أن يجعلهم العالم يعتقدون أنه من الأفضل السير بمفردهم، وإلى عدم السقوط في تجربة التركيز على الذات والتميز بالأنانية أو اللامبالاة أمام الآلام أو الصعاب أو النجاح العابر.
تحدث البابا فرنسيس بعد ذلك عن القداسة داعيا الشباب إلى التركيز عليها وذلك بدءً من اللقاء والشركة مع الآخرين متنبهين إلى احتياجاتهم، وكرر هنا أهمية الانتماء إلى جماعة، إلى شعب، لأن هذا ما تتطلبه هويتنا الحقيقية. ثم عاد إلى شهادتَي الشابين اللتين تحدثا فيهما أيضا عن الصلاة في العائلة والمشاركة في جوقات، عن القداس والتعليم المسيحي ومساعدة المحتاجين، وقال إن هذه أسلحة قويما يمدنا بها الله، فالصلاة تجعلنا نخرج من ذواتنا ونتأمل بأعين الله في ما يحدث في قلوبنا، والترتيل والموسيقى يجعلاننا ننفتح على الإصغاء وعلى الأمور الداخلية. وشدد البابا فرنسيس على أهمية الصلاة التي تعلمنا الإصغاء إلى الروح القدس وتمييز علامات الأزمنة وتجعلنا نستعيد القوى لمواصلة إعلان الإنجيل، وتابع أن لقاء المسيح والكلمة والإفخارستيا يجعلنا لا نكترث بقوة الغريم. أما مساعدة الآخرين فهي قوة تدعمنا في حياتنا حسب ما قال البابا، وتابع أن رؤية ضعف الآخرين تحملنا إلى الواقع وتحُول دون أن نعيش لاعقين جروحنا، وأضاف أن يسوع يدعونا إلى الخروج من ذواتنا ولقاء الآخرين وجها لوجه، ودعا الشباب إلى اتباع يسوع وعدم التخوف من المشاركة في الثورة التي يدعونا إليها، ثورة الحنان.
تحدث البابا بعد ذلك عن أن الحياة تقاس يزمن خاص، زمن يرتبط بقلب الله، وأن الحياة هي دائما السير مع البحث عن الطريق الصحيحة. ثم ختم كلمته إلى شباب ليتوانيا الذين التقاهم في ساحة كاتدرائية فيلنيوس بعد ظهر السبت مؤكدا أن المسيح يلتقينا دائما في تقاطعات طرق حياتنا، ولا يتوقف أبدا عن بنائنا حتى وإن كنا نهدم ذواتنا في بعض الأحيان.
إذاعة الفاتيكان.