عقد في المركز الكاثوليكيّ للإعلام مؤتمرًا صحافيًّا، بدعوة من اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، للإعلان عن رسالة قداسة البابا فرنسيس لليوم العالميّ الثاني والخمسين لوسائل الاتِّصال الاجتماعيِّ تحت عنوان: ""الحقّ يحرّركم" (يو۸، ۳۲). أخبار مزيّفة وصحافة سلام". على أن يترأس رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر القدَّاس الإلهيّ للمناسبة، الساعة الحادية عشرة من يوم الأحد في 3 حزيران القادم في كاتدرائيَّة مار جرجس للموارنة في بيروت.
شارك في المؤتمر إلى جانب المطران بولس مطر، وزير الإعلام ملحم الرياشي، نقيب الصحافة اللبنانيّة عوني الكعكي، نقيب المحرّرين الياس عون، ومدير المركز الكاثوليكيّ للإعلام الخوري عبده أبو كسم، وبحضور مدير عام وزارة الإعلام د. حسان فلحة، مديرة الوكالة الوطنيّة للإعلام لور سليمان صعب، رئيس المجلس الوطنيّ للإعلام هادي محفوظ، أمين عام جمعيّة الكتاب المقدّس د. مايك بسوس، الأب بيار عطالله، وعدد من أعضاء اللجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام وإعلاميِّين ومهتمّين.
بداية رحّب المطران بولس مطر بالحضور وقال:
"في مناسبةِ اليومِ الثَّاني والخمسين الَّذي تُحيِيهِ الكنيسةُ الكاثوليكيَّةُ لِتَكرِيمِ الإِعلامِ والإِعلاميِّينَ، يُشرِّفُنا أَن نَنقلَ إليكُم مَضَامِينَ رِسالةِ قداسةِ البابا فرنسيس الَّتي تَحملُ في كلِّ عامٍ إِرشَاداتِ الكرسيِّ الرَّسوليِّ وَتَوصِيَاتِهِ الثَّمينةَ من أَجلِ إِعلامٍ يَخدمُ نَشرَ الحقيقةِ وَاحترامَهَا، وَيُسهِمُ في بِناءِ السَّلامِ في العالّمِ كلِّهِ.
وقد اختارَ قداستُهُ عنوانًا لِرِسالتِهِ هذه، وهُو اسْتِشهادٌ مُقتبَسٌ من إِنجيلِ يُوحنَّا الرَّسولِ يقولُ فيه الرَّبُّ لِتَلامِيذِهِ: «تَعرفُونَ الحقَّ والحقُّ يُحرِّرُكُم» (يوحنَّا 8، 32). وإِلى هذا العنوانِ المقدَّسِ وَالجديرِ بِكلِّ تَأمُّلٍ وَشُكرٍ، يُرفِقُ قداستُهُ إِشارةً إلى الأَخبارِ الكاذبةِ وَالمُلفَّقةِ الَّتي يَتَعاطَاهَا الكثيرُونَ من ذَوِي الإِراداتِ السَّيِّئةِ أَو الغَايَاتِ المَشبُوهةِ وَالَّتي يَدعُو إِلى رَفضِهَا وَالإِقلاعِ عنها كما يُشجِّعُ أَن تَنحُو الصَّحافةُ مَنحَى السَّلامِ باعتِنَاقِ التَّواصُلِ مع الآخر وَتَغلِيبِ الإِيجابيَّاتِ على كلِّ عَمَلٍ سَلبيٍّ.
لن نَنتَظرَ من قداستِهِ في هذه الرِّسالةِ أَيَّ مَوقفٍ سِياسيٍّ خاصٍّ، ولا أَيَّ تَلمِيحٍ عن أَيِّ شَخصٍ مَسؤُولٍ يَقصدُهُ بِذَاتِهِ. بَلْ هو يَنظرُ إلى الوَاقعِ البَشريِّ العامِّ ويَدخلُ في أَعماقِ النَّفسِ الإنسانيَّةِ الَّتي تَنغَمسُ في السُّوءِ إذا ما انفَصَلَتْ عن الحقيقةِ وَتَخَلَّتْ عنها لِصَالحِ الشَّهواتِ على أَنواعِهَا. ذلكَ أنَّ الإنسانَ مُعرَّضٌ لِوَسوَسةِ الشَّيطانِ الَّذي يُحاوِلُ إِغرَاءَهُ بِاستِبدالِ حقيقةِ اللهِ بِزَيفِ البَاطِلِ وَاللَّعبِ على حِبَالِ الكَذِبِ، وَالشَّيطانُ هُو الكذَّابُ أَصلاً و«أَبو الكَذِبِ» كما يقولُ عنهُ الإِنجيلُ المُقدَّسُ.
يَنطلقُ البابا في مُقدِّمةِ كلامِهِ من كَونِ التَّواصُل نعمةً مَنَحَهَا اللهُ لِلنَّاسِ لكي يَتَعامَلُوا بِفَضلِها معًا وَيَبنُوا لهم في الأَرضِ أُخوَّةً صادقةً مُنفتحةً على وحدَةِ الحياةِ. فَيَقولُ أنَّ التَّواصُلَ مِن شَأنِهِ أَن يُدخِلَ النَّاسَ في عَالَمِ الشَّراكةِ بَعضَهُم مع بَعضٍ. وَالمطلُوبُ من الإِعلامِ وَالإعلاميِّينَ أَن يُسَهِّلُوا هذا التَّواصُلَ من أَجلِ تَحقيقِ هذه الشَّراكةِ المَرجُوَّةِ وَالمُبتَغاةِ.
لكنَّ مَأسَاةَ البَشرِ تَبدأُ بِفعلِ تَحرِيفِ التَّواصُلِ الإنسانيِّ عن دَعوَتِهِ وعن غَايَاتِهِ النَّبيلةِ، فَيَتشَوَّهَ وَاقِعُهُ وَمُحتَوَاهُ، وَيَبتعدَ عن الحقيقةِ وعن الخَيرِ العامِّ، وَيَدخلَ فيهِ كلُّ أَنواعِ الخِدَاعِ والتَّضليلِ، ما يَقلبُ الإنسانيَّةَ إِلى جَمَاعاتٍ مُنفصلةٍ بعضِها عن بعضٍ أَو مُعادِيةٍ بعضُهَا لِبَعضٍ، بِفعلِ سُوءِ تَفَاهمٍ مع الآخرَ يُؤدِّي في النِّهايَةِ إلى فقدَانِ الأُخوَّةِ وَضَربِ أُسُسِ السَّلامِ.
وَإِثباتًا لهذا الوَاقعِ الأليمِ يُشِيرُ قداسةُ البابا إِلى الكَمِّ الهَائلِ من الأَخبارِ الكاذبةِ الَّتي تَصدرُ في كلِّ مَكانٍ وتُنشَرُ عَبرَ وَسائلِ التَّواصُلِ الاجتماعيِّ، القويَّةِ والسَّريعةِ الانتشار. إنَّها، وَأَنتُم تَعرفُونَهَا جميعًا، مِن نَوعِ المعلوماتِ المُلفَّقةِ وَالمُختَلَقَةِ أَصلاً لِلنَّيلِ مِن الآخرينَ وَإِلحاقِ الأَذَى بهم مَجَّانًا وَبِدونِ وَجهِِ حَقٍّ. أَو هي حَقَائقٌ مَقلُوبةٌ أَو مُشوَّهةٌ يُرَادُ عَبرَ تَزوِيرِهَا خَلقُ بَلْبَلةٍ بَينَ النَّاسِ أَو تَغلِيبُ فئةٍ على فئةٍ بِالتَّزوِيرِ المُفتَعَلِ وَالمَقصُودِ. وهي كلُّها أُمُورٌ تُؤدِّي في آخرِ المطافِ إِلى تَثبِيتِ عَدَاوَاتٍ مَجَّانيَّةٍ على أَساسٍ من التَّضْلِيلِ الفِكريِّ وَمِن تَصوِيرِ الآخر وكأنَّهُ الشَّيطانُ وقد تَجسَّدَ بِإِنسانٍ أَو بِجَماعةٍ أَو طائفةٍ أَو شَعبٍ من الشُّعُوبِ.
أضاف "ويُنهِي البابا هذا القسمَ من كلامِهِ بِقَولِهِ أَنَّ عندَ النَّاسِ بَعضَ المُيُولِ إلى تَصدِيقِ الأَقاوِيلِ وَالشَّائعَاتِ، وقد لا يكونُ هيِّنًا تَحريرُ القُلُوبِ وَالعُقُولِ ممَّا يُصِيبُها مِن أَضرارٍ أَو ممَّا يَلصقُ بها مِن نَتائِجِ الخِداعِ وَالمُخَادِعِينَ. لكنَّ الشِّفاءَ من هذه التَّأثِيراتِ مهما كان الوُصُولُ إليه صعبًا فهو يَبقَى أَمرًا مُلحًّا لأنَّ القضيَّةَ تَتعلَّقُ بِمَصيرِ الحقيقةِ بِالذَّاتِ وَمصِيرِ تَغلِيبِ الحقِّ على البَاطلِ. فَمِن دُونِ غلبَةٍ للحقِّ لا يُمكنُ أَن يَستقِيمَ التَّاريخُ. أَمَّا اسْتِقامَةُ هذا التَّاريخِ فَإِنَّ قداسةَ البابا يُعالِجُها في رِسالتِهِ، مٌشِيرًا في أوَّلِ الأمرِ إلى ضَرُورةٍ قُصوَى لِلتَّخلُّصِ من سُلطانِ الكَذِبِ وَلِلوصُولِ إلى سُلطانِ الحقِّ.
في هذا السِّيَاقِ، يبدأُ قداستُهُ هنا بِالدَّعوةِ إلى كَشفِ ما يُسمِّيهِ «مَنطقَ» الحيَّةِ الَّتي أَغوَتْ أَبوَينا الأوَّلَيْن كما يُصوِّرُهُ الكتابُ المقدَّسُ، وهي الَّتي تُمثِّلُ في الفردَوس حِيَلَ الشَّيطانِ وَأَلاعِيبَهُ. لقد أَجْرَتْ الحيَّةُ أمامَ حَوَّاءَ عمليَّةَ إِغراءٍ كبيرةً، مُحاوِلةً إِظهارِ الحقِّ الَّذي مِن اللهِ بأَنَّهُ هو الباطلُ وإِظهارِ البَاطلِ الَّذي مِن الشَّيطانِ بِأَنَّهُ هو الحقُّ. فَتقولُ الحيَّةُ لِحَوَّاءَ بِكلِّ جُرأَةٍ وبِكلِّ حِيلَةٍ مَاكِرةٍ «أنَّ اللهَ يَكذبُ عليكِ وعلى زوجِكِ لأنَّه يَعرفُ أنَّكُما إذا ما أَكلتُمَا من الثَّمَرةِ المُحرَّمَةِ ستصيرانِ مِن الآلهةِ تُقرِّرَانِ الخيرَ والشَّرَّ على هَوَاكُما، أَيْ أنَّكما سَتُصبحانِ أَنتُمَا القانونَ وَالوصايَا كلَّها، وَسَتصيرانِ أحرارًا مثلَ الله». عندئذٍ رَاقَتْ الثَّمرةُ لِحَوَّاءَ وَدخَلَ إِليها الفَسادُ الَّذي مَلأَ الأَرضَ بَعدَهَا ظُلمًا وَظلامَاتٍ.
هذا هُو الزَّيفُ الَّذي يَجبُ كَشفهُ، إذا ما أَردنا استرجاعَ الحرِّيَّةِ الحقيقيَّةِ أَيْ حرِّيَّةِ أَبناءِ اللهِ وَالكفَّ عن الغَوصِ في وُحُولِ الحرِّيَّةِ الكاذِبَةِ الَّتي دَعَا إِليها الشَّيطانُ، وَالَّتي أَوقَعَتْ الإنسانَ في أَخطارِ التَّسلُّطِ وَالتَّملُّكِ وَسائرِ الشَّهوَاتِ. أَمَّا حرِّيَّةُ الرُّوحِ فعندما تَتَعاطَى بِأُمورِ الجَسدِ، لا تَنقَادُ إليهِ صَاغرةً وَلا تُصبحُ عَبدةً لهُ بَلْ هي الَّتي تَرفَعُهُ إِلى مَرتَبتِهَا فَيُصبِحَ الجَسدُ مُستَنِيرًا وَمُزيَّنًا بِكلِّ عَملٍ صَالحٍ.
وبعدَ عَمليَّةِ التَّخلُّصِ من الكَذِبِ وَنَتائجِهِ المَأْساويَّةِ، يَدعُو قداسةُ البابا إلى النَّظرِ في الحقيقةِ المُنقِذةِ، تلكَ الَّتي تَبنِي الإِنسانَ وَتَصنعُ السَّلامَ، هذه الحقيقةُ، يَقولُ قداستُهُ، لَيسَت حَقيقة الأَشياءِ ولا هي صُورَةٌ عن الأُمُورِ الخارجيَّةِ، ولا عَن نَوَامِيسِ الطبيعةِ وَعَملِهَا، بَلْ هي حقيقةُ الإِنسانِ الكاملِ كما يُرِيدُهُ اللهُ أَن يَكونَ، وَحقيقةُ الوُجُودِ وَمَعناهُ بما يَتضَمَّنُهُ من تَوَافُقٍ وَمَحبَّةٍ تَنقلُ العالَمَ من وَاقعِ الاضطرابِ إلى حقيقةِ السَّلامِ.
وفي عَمليَّةِ النَّقلِ هذه، أَيْ من الاضطرابِ إلى السَّلامِ، تَتَجلَّى دَعوةُ الإِعلاميِّينَ بِأَسمَى وُعُودِهَا. إِنَّها في البدايةِ دَعوَةُ إبعادِ النَّاسِ عن الزَّيفِ وَالكَذِبِ، وهي بعدَ ذلك عَملُ إِدرَاكٍ لِحقيقةِ الآخرينَ إدراكًا عَميقًا وَمَسؤولاً. فَيُنَبِّهُ قداستُهُ في هذا المَجالِ، إلى أنَّ ما مِن أَحدٍ لهُ أَن يَحكُمَ على الآخر حُكمَ الأَفكارِ المُسبَقَةِ. بَلْ علينا أَن نكتشِفَ مَكَامِنَ الخيرِ عندَ كلِّ إنسانٍ وُصُولاً إلى معرفتِهِ معرفةً حقيقيَّةً، وعلى الصَّحافيِّ أيضًا بالقياسِ إِذَا ما رَأَى وَضعًا مُتأزِّمًا في وَطنٍ أَو في مُجتمعٍ، أَن يُحَاولَ مع جميعِ المُحَاوِلِينَ اكتشافَ أَسبابِ الخَلَلِ الحاصلِ ومِن ثمَّ البَحثَ عن بَدَائلَ لِلأحوالِ السَّائِدةِ وعن مَخَارجَ مِن المَأزقِ الرَّاهنِ وُصُولاً إِلى انْفِرَاجٍ مُستَقبليٍّ مَرغُوبٍ.
هذه الرِّسالةُ، أيُّها الأَحبَّاء، قد رَسَمَتْ لنا أَبْعَادًا جديدةً عن مخاطرِ الكَذِبِ وَتَشوِيهِ الحقيقةِ وَعَن ضَرُورَةِ التَّمسُّكِ بهذه الحقيقةِ وَاعتبارِهَا طريقًا إلى الحرِّيَّةِ وَالمحبَّةِ وَالسَّلامِ. فَالكَذِبُ ليس مُجرَّدَ خطيئةٍ ظَرفيَّةٍ نُخفِي عَبرَهَا حقيقةً ما أَو نَتَبرَّمُ بها، بَلْ هُو نَسفٌ لأُسُسِ التَّواصُلِ بَينَ النَّاسِ، فَإنْ بَطَّلَ التَّواصُلُ نَقَلَ الحقائقِ، قَضَى على نَفسِهِ بِنَفسِهِ وَأَفقدَ النَّاسَ فرصَةَ التَّلاقِي على أَيِّ شَيءٍ، سِوَى على الرَّفضِ المُتبَادَلِ وَالعُنفِ القاتلِ. إنَّ عالَمَ الزَّيفِ ليس عَالَمًا إِنسانيًّا وَهُو لن يُؤدِّي إلاَّ إلى العَدَمِ. ولقد أَشارَ الفكرُ اليُونَانيُّ القديمُ إلى هذه الأَخطارِ الَّتي رآهَا نَاجِمةً عن الادِّعَاءِ بأنَّ كلَّ فَردٍ من البشرِ هُو مثلَ غَيرِهِ مقيَاسٌ لِلحقيقةِ. وهذا هُو أَسرَعُ سبيلٍ لِنَسفِ الحقيقةِ المُطلقةِ وَتَغيِيبِهَا. فما مَعنَى الحقيقةِ إذا لم تَكنْ أَكبرَ منَّا وإذا لم تُلزِمْنَا بِأَيِّ شيءٍ؟
أمَّا هذه الحقيقةُ، فهي التَّعبيرُ عن إِرادةِ اللهِ في خَلقِهِ. فهو الَّذي صنَعَ الإِنسانَ لِيَعرفَ وَيُحبَّ، وهذه صارَتْ حقيقةَ الإِنسانِ القُصوَى. وهو الَّذي خلقَ النَّاسَ جماعاتٍ تَبْنِي ذاتَهَا بِالتَّضامنِ وَالأخوَّةِ واحترامِ الحياةِ. فَالمجتمعُ له حقيقتُهُ في تَكوِينِهِ أَيْ في الغايةِ الَّتي وُضعَتْ لهذا التَّكوِينِ. وفي كلِّ هذه الأُمُورِ نَرَى أَنَّ الإعلامَ وَالإعلاميِّينَ وَكأنَّهُم مَسؤُولُون عن عَدَمِ تَضيِيعِ هذه الحقائقَ لَدَى النَّاسِ. فَهُم يُذكِّرُونَ بها وَيُنبِّهُونَ إلى ضَرُورةِ احترامِهَا وَعَدَمِ التَّخلِّي عنها، إِنَّهُم حُرَّاسُ هَيكَلِ الحقيقةِ. فَلا يُمكنُ وَالحالةُ هذه أَن يَنتقلَ أَحدُهُم من ضفَّةِ الحقيقةِ البَانِيَةِ لِلنَّاسِ وَالمجتمعاتِ إلى ضفَّةِ الهَدْمِ وَتَقوِيضِ فُرَصِ التَّلاقِي بَينَ البشرِ. بَلْ عَلَيهِم جميعًا تَقَعُ المسؤوليَّةُ في الإِشارةِ إلى ضَرُورةِ وَضعِ حَدٍّ لأَيِّ شَوَاذٍ في الدُّنيَا وَالعَودِ إلى الانطلاقاتِ الصَّحيحةِ وُصُولاً إلى الغاياتِ السَّليمةِ وَالمُسالمَةِ على حَدٍّ سواء.
إنَّكم إذن، أيُّها الإعلاميُّونَ، رُسُلُ الحقيقةِ المُوصِلةِ إلى الحرِّيَّةِ وَإلى السَّلامِ. فَهلاَّ كُنتُم لهذا الخَبَرِ السَّارِّ مُصدِّقينَ، ولهذه الرِّسالةِ النَّبيلةِ حَامِلِينَ؟ وفي كلِّ ذلك لَكُم بَرَكاتُ اللهِ وَأَدعِيةُ النَّاسِ وَشُكرُنَا الخالصُ لِمَا أَنتُم عَليهِ وَلِمَا أَنتُم لهُ فَاعِلُونَ.
وتوجه سيادته بالقول للوزير رياشي قائلاً "اسمح لنا أن نقول لك أنك كنت في هاتين السنتين علامة رجاء في الوطن، رجل الحوار، رجل التواصل في وزارة أردتها للتواصل والحوار، ورجل العمل العام الذي لا يهدف إلى مصلحة خاصة بل إلى مصلحة جميع اللبنانيين، مع أمثاللك لبنان سيكون أفضل وسيكون بخير، وشكراً على كل ما قمت به وشكراً لحضورك اليوم."
ثم كانت كلمة نقيب الصحافة اللبنانية عوني الكعكي فقال:
"بهذه المناسبة لا بد من الإشارة لوجود معالي الوزير رياشي الذي دخل التاريخ من خلال مساهمة "مصالحة معراب"، الذي دعا بدوره إلى إنتخاب رئيس للجمهورية والذي كان متعذراً لمدة حوالي 3 سنوات. وطلب إلى معاليه العمل لوضع قانون للإعلام الإلكتروني.
يسرني أن أشارك للعام الثالث على التوالي في هذا اللقاء السنوي، وفي هذا المركز المحترم، لنتناول رسالة قداسة البابا فرنسيس الأوّل حول وسائل الإعلام... نلتقي وفي خلفيتنا قول قداسته ”التواصل والرحمة تلاقٍ مثمر“. ولعلّ البابا فرنسيس هو المرجعية الكبرى الوحيدة في العالم التي تربط بين التواصل (والإعلام أبرز وجوهه) والرحمة.
صحيح أنّ الإعلام يقوم على قاعدة صلبة هي الحقيقة، أو يجب أن يقوم عليها إلاّ أنها ليست القيمة الوحيدة على حد قول راعي هذا الإحتفال سيادة المطران بولس مطر الذي قال في مناسبة سابقة مماثلة: ”إن الحقيقة ليست القيمة الوحيدة التي يجب أن تحكم العملية الإعلامية بين الناس. بل يجب أن تضاف اليها قيمة بناء المجتمع على اساس من الوحدة والمحبة“. فالصحافي المسؤول عن نشر الحقيقة هو مسؤول ايضاً عن خلق جو تصالحي في العالم، وعن تقريب الناس بعضهم الى البعض الآخر من خلال ضرورة التفاهم في ما بينهم، والتضامن وترجيح كفة السلام ما استطاع الى ذلك سبيلاً.
إن الكنيسة الكاثوليكية قد تكون أكثر المؤسسات الروحية إهتماماً بالإعلام، وهذه ظاهرة جيدة. فمنذ إنتهاء أعمال المجمع الفاتيكاني الثاني قبل أكثر من نصف قرن مازال صوت هذه الكنيسة يدوّي مواكباً الإعلام مدافعاً عنه مهتماً به ليكون إعلاماً حراً وليضع نفسه في خدمة الحقيقة الموضوعية، دون سواها.
إلاّ أن الواقع في مكان آخر. فهناك ما يحول دون تحقيق هذه الأهداف السامية، خصوصاً إن هذا العالم تحكمه وتتحكم به المصالح والأهواء، وتضربه الأمواج والأنواء، ويتنامى فيه الشرّ بأشكال مرعبة ليس أقلها الحروب والفقر والجهل... واسمحوا لي أن اضيف الى تلك الشرور ما حدث أخيراً من اعتداء غير مسبوق على مدينة اللّه على الأرض، القدس، من تغيير لهويتها... ويؤسفني القول إن بعض أمهات وسائط الإعلام، في العالم، كان يهلل لهذا الشر ويرحب به.
صحيح أنه ليس المطلوب، أن يزوّر الإعلام الحقائق ليظهر الأسود ابيضَ، والظلمُ عدلاً، ولكنه يمكن أن يقتدي بقداسة البابا في رسالة سابقة عن الإعلام عندما يقول: ”إن ما يجري في الحياة يمكننا نحن الذي ننظر اليه، ان نوجّه اليه عيوننا ونحن واضعون عليها نظارات إيجابية ملونة بلون الرجاء والمحبة بدلاً من أن نضع عليها نظارات سلبية بلون اليأس والسواد!
إنّ رسالة قداسة البابا يجب أن تكون عنواناً للإعلاميين في العالم كله، خصوصاً عندنا، في لبنان، البلد الرسالة كما وصفه السلف القديس البابا يوحنا بولس الثاني... فلندرك أننا إذا لم نستطع أن نلغي الشرّ، فلنعمل على أن لا نتركه يتغلغل في نفوسنا، وبالذات في هذا الوطن الذي يقوم على قاعدة ميثاقية من الوفاق والتفهم والتفاهم، أي على المحبّة التي يقول فيها بولس الرسول: إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس فيّ محبّة فقد صرت نحاساً يطنّ أو صنجاً يرن...“
ونحن الصحافيين نتكلم بألسنة الناس، فليكن كلامنا صادراً عن المحبة."
ثم كانت كلمة نقيب المحرّرين الياس عون فقال:
"نعم صدق قداسة البابا فرنسيس، بابا الفقراء، عندما قال في مطلع رسالته في مناسبة اليوم العالمي ال52 للإتصالات الإجتماعيّة، أن الله أراد التواصل البشري كوسيلة أساسيّة لعيش الشرِكة الحقّة.
"الحقّ يحرركم" كلمتان من كلام الله إذا عرف العالم أن يعيش بروحهما، تسلم الأرض التي وطأها السيد المسيح وارادها أرض قداسة لا تعاسة، من الحروب والقتل والكراهيّة، من البغض والظلمة.
نعم إذا تبع الإنسان أنانيته المتفاخرة وأهواءه، لا يسلم العالم من الحروب والدول من التقهقر.
قال القديس فرنسيس الأسيزي: "يا رب إستَعمِلني لسلامِكَ، فأضَعَ الحُبَّ حيثُ البغض، والمَغفِرَةَ حيثُ الإساءة، والإتفاقَ حيثُ الخِلاف، والحقيقَةَ حيثُ الضلال، والإيمانَ حيثُ الشك، والرجاءَ حيثُ اليأس، والنورَ حيثُ الظلمة، والفَرحَ حيثُ الكآبة. يا رب، إستَعمِلني لِسلامِكَ." الرب أرد أن يستعملنا لسلامه لا للحروب والضلال. أراد منّا أن نقول الحقّ، لا أن نزيّف الحقيقة.
صاحب السيادة، أنتم يا مَن تحملون أمانة الكهنوت، تحملون أيضًا، أمانة الكلمة الصادقة الأنيقة التي تسعى دائمًا إلى الحقّ والحقيقة، وبها تبّشرون من على مذبح الربّ الذي كنت الخادم الأمين له في الأسقفيّة منذ 27 سنة وفي حياتك الكهنوتيّة على مدى 53 سنة ولسنين عديدة يا ربّ، لأن الكنيسة والوطن بحاجة إلى أمثالك رجال فكر وثقافة وكلمة، والأهم من هذه الصفات الثلاث، إلى أحبار ما نبض قلبهم إلا بالمحبّة.
نعم، في عصر التواصل الإجتماعي الذي كنّا نريده للبناء لا للهدم، بات كل إنسان صحافي... وهنا تكمن الخطورة، ليس لأن كل إنسان صحافي، فرسل السيد المسيح كانوا صحافيين، لأنهم كانوا ينقلون البشارة إلى العالم، بل لأنه يجب على كلّ مَن يريد أن يتواصل مع العالم من خلال شبكات التواصل الإجتماعي أن يكون مسؤولًا أولًا عن ذاته، وعن كل كلمة يكتبها أو يقولها.
نعم إننا نعيش اليوم عصرًا صعبًا، لا رقابة فيه على الرغم من كثرة المراقبين، الذين ، ومع الأسف، لا يستطيعون شيئًا في حماية عالم اليوم من خطر التواصل الإجتماعي الذي كان المُراد منه تقريب العالم بعضهم من بعض. لهذا يبقى الإتكال والمعوّل على الإنسان وضميره ليبقى في عالمنا مكان للسلام والحبّ والنور.
ربيّ صلاتنا، نرفعها اليوم، ليكون إنسان اليوم وفي ظلّ التواصل الإجتماعي، رسول سلام كما كان رسل السيد المسيح. فلتبقى الصحافة في لبنان حرّة وليحمها الله من المسيئين إلى قدسيتها. وشكرًا لإصغائكم."
وقال الوزير الرياشي :" انا اتبنى كل كلمة في رسالة الحبر الاعظم وكل كلمة قالها سيدنا والزميلين النقبين وزميلنا ابونا عبده ، وازيد امرين : الامر الاول اننا في الواقع بحاجة الى مؤسسة رسمية تواكب التطور التكنولوجي الهائل الموضوع بين ايدينا ولكن علاقتنا مع التقدم العلمي الهائل والعظيم والمهم هي كعلاقة الانسان مع السكين، فبالسكين يمكن ان يرتكب جريمة ويمكن وبالسكين ان يقشر تفاحة، ملايين الناس يقشرون التفاح والبعض يرتكبون جرائم ، يجب ان نرى الزاوية الايجابية والناحية البيضاء من الصورة لان الصورة ليست قاتمة الى هذا الحد ولكن يجب ان نضوي على جانب اساسي منها.
صحيح يجب الا تكون هناك ضوابط ولا سقف للحرية ولكن يجب ان يكون لها معايير والمعيار الأهم للحرية هو الأخلاق، والمعيار الأهم للاعلاميين الذين هم حماة الحرية وحراس هيكل الحرية هي الاخلاق المهنية والاعلامية ، والمعيار الأهم للرأي العام المتقبل ، لأن اليوم أصبح زمن التواصل وليس زمن الاعلام واصبح كل خبر يتفاعل معه الرأي العام عبر آلات التواصل الموجودة بين يديه والتي تكون احيانا اقوى من وسائل الاعلام .
المعيار الأهم للرأي العام هو ايضاً الاخلاق وهذه المسؤولية تقع على عاتقنا جميعا من دون استثناء، ومسؤوليتنا أنه بقدر ما نحب بقدر ما في الوقت نفسه نحاسب ونعاقب بموجب القوانين المرعية بما يتعلق تحديدا بأمور الإساءة الى سمعة الآخر او القدح والذم وإهانة الحقيقة من هذه النواحي التي اصر عليها قداسة البابا ونحن نصر على تطبيق القوانين المتعلقة بها بشكل جدي وحازم وموجز قدر الامكان كي يأخذ المتضرر حقه مع حفظ حق الآخر بالحرية كاملة محترمة للاخلاقيات ولحرية الآخر .
سيدنا تحدث عن قصة الخلق ومن وحيها دخلنا الى مفهوم الكذب والحقيقة ، اود ان اضيف امرًا يعني لي كثيرًا في هذا الموضوع هو قصة الرحمة ، لانه بالفعل كما اذا اراد الله ان يكون عادلاً قلائل منا ينجون ، الله هو رحوم اكثر مما هو عادل فلو كان عادلا لما نجونا جميعًا . فالرحمة هي الباب الأوسع للجميع لذلك يجب ان نركزعلى تقبل بعضنا البعض وتقبل اخطاء بعضنا البعض ولو بعض الهنات الهينات يمكن ان نغض النظر عنها ويمكن ان نلفت اليها وليس من الضروري ان نستنفر على كل كلمة لان الكلمة اقسى من الرصاصة، الكلمة هي التي تسبب الحرب ولكنها ايضًا هي التي تبني الجسور وتصنع السلام .
الفرق بين البحصة والجبل هو ممن تطلب ان ينقل البحصة وممن تطلب ان ينقل الجبل وكل اعلام وكل حرية وانتم بخير ".
ثم اختتم المؤتمر بكلمة الخوري عبده أبو كسم فقال:
"رسالة البابا فرنسيس تشكل فحص ضمير لكل إعلامي وصحافي لا بل لكل إنسان، لأن كل الناس تتواصل على وسائل التواصل الإجتماعي التي تأخذ حيزًا من دور الصحافي. ولكن الأهم من كل شيء نحن الإعلاميون والصحافيون علينا أن لا نفقد مصداقيتنا، لأن قداسة البابا يدعونا لنكون حراس الكلمة وحراس الحقيقة.
الكثير من الناس تختلق أخبار كاذبة تضر بالمجتمع والوطن وبالكنيسة وبكرامة الإنسان، لأن أي خبر كاذب أو مزيف يجرح كرامة الإنسان في الصميم وربما يقتله معنوياً. ودعا أبو كسم إلى قراءة هذه الرسالة بتمعن، لأن كل واحد منا مسؤول عن إظهار الحقيقة حتى ولو كانت صعبة، وعلى الصحافي أن يظهّر الحقيقة بموضوعية لكي يتقبلها الناس.
البابا يدعونا لبناء صحافة سلام ونحن في لبنان اليوم بحاجة ماسة إلى بناء صحافة السلام، وكما شاهدنا قبل الإنتخابات كانت الصحافة صحافة حرب لشد العصب من هنا وهناك، أما اليوم علينا التأسيس لبناء صحافة السلام وهذا هو دورنا كإعلاميين. وتمنى للإعلاميين دوام الصحة والاستمرار في الشهادة للحقيقة."
المركز الكاثوليكي للإعلام.