"الإضطهاد هو خبز الكنيسة اليوميّ" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القدّيسة مرتا، وأكّد الأب الأقدس أنّه كما حصل مع اسطفانوس أوّل الشّهداء أو مع شهداء بيت لحم الصّغار الذين قتلهم هيرودس هكذا اليوم أيضًا يُقتل العديد من المسيحيِّين بسبب إيمانهم بالمسيح وآخرون يُضطهدون "بشكل مؤدَّب" لأنّهم يريدون أن يُظهروا قيمة أن يكون المرء ابن الله.
هناك اضطهادات دمويّة كالتعرُّض للافتراس من الوحوش لإسعاد الجماهير على المدرّجات أو كالموت جرّاء انفجار لدى الخروج من القدّاس ولكن هناك أيضًا اضطهادات تختبئ تحت غطاء الثقافة وتعزلك في زاوية من المجتمع وتسلبك عملك إذا لم تتماشى مع القوانين التي تسير ضدّ الله الخالق.
استهلّ الحبر الأعظم عظته انطلاقـًا من رواية استشهاد اسطفانوس والتي يخبرنا عنها كتاب أعمال الرّسل (7/ 51- 60 ، 8/ 1) وتوقف في عظته عند اعتبارات هامّة وجديدة حول واقع يشكّل ومنذ ألفيّ سنة تاريخًا طويلاً داخل تاريخ الإيمان المسيحيّ وهو الإضطهاد. فالاضطهاد هو خبز الكنيسة اليوميّ وقد أكّده لنا يسوع. وعندما نقوم ببعض السّياحة في روما ونزور الملعب الرومانيّ نفكّر بالشّهداء الذين قتلتهم الأسود.
لكن الشّهداء ليسوا هؤلاء وحسب وإنّما هم رجال ونساء يعيشون حياتهم اليوميّة. واليوم، وفي يوم عيد الفصح أي منذ ثلاثة أسابيع تقريبًا... أولئك المسيحيّون الذين كانوا يحتفلون بعيد الفصح في الباكستان قُتلوا لأنّهم كانوا يحتفلون بالمسيح القائم من الموت. وهكذا يسير تاريخ الكنيسة قدمًا بفضل الشّهداء.
استشهاد اسطفانوس أثار اضطهادًا وحشيًّا ضدّ المسيحيِّين في أورشليم يشبه الإضطهاد الذي يتعرّض له اليوم جميع الأشخاص الذين لا يمكنهم أن يعيشوا بحريّة إيمانهم بيسوع. ولكن هناك اضطهاد لا يُتَحدَّث عنه كثيرًا وهو اضطهاد يتنكّر بقناع الثقافة والتجدّد والتقدُّم.
إنّه اضطهاد – وسأقولها بشكلٍ ساخر – "مؤدَّب". وهو عندما يُضطهد الإنسان ليس لأنّه يعترف باسم المسيح وإنّما عندما يريد أن يتحلّى بقيم ابن الله ويظهرها. إنّه اضطهاد ضدَّ الله الخالق في شخص أبنائه. وهكذا نرى يوميًّا أنّ القوى تشرّع قوانين تجبر من خلالها السّير في درب معيّن والأمة التي ترفض السّير بحسب هذه القوانين الحديثة أو لا تريدها في تشريعها يتمُّ اتّهامها واضطهادها بشكلٍ "مؤدّب". إنّه الإضطهاد الذي يحرم الإنسان من حريّته، حتى من الاستنكاف الضميريّ.
هذا هو اضطهاد العالم الذي يسلب الإنسان حريّته فيما خلقنا الله أحرارًا لنشهد للآب الذي خلقنا والمسيح الذي خلّصنا. وهذا الإضطهاد له رئيس، ورئيس هذا الاضطهاد المؤدّب قد سمّاه يسوع أمير هذا العالم. وعندما تريد القوى أن تفرض مواقف وقوانين ضدّ كرامة ابن الإنسان فهي تضطهد وتسير ضدّ الله الخالق. إنّه الإلحاد الكبير. هكذا تسير حياة المسيحيين قدمًا بين هذين الإضطهادين، والربّ قد وعدنا بأنّه لن يبتعد عنّا: تنبّهوا ولا تقعوا في فخاخ روح العالم، تنبّهوا وسيروا قدمًا وأنا سأكون معكم!
إذاعة الفاتيكان.