إنتزاع الحريّة ومحو الذاكرة وإقناع الشباب وتلقينهم: هذه هي المؤشرات الثلاثة للإستعمار الثقافي والإيديولوجي، حول هذا الموضوع تمحورت عظة قداسة البابا فرنسيس خلال القداس الإلهي في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان والتي استهلّها انطلاقًا من (سفر المكابيّين الأوّل 2/ 15 - 29) عن اضطهاد الملك أنطيوكُس ضدَّ المكابيين الأمناء لشريعة الآباء.
إنَّ ما حصل مع شعب الله يحصل اليوم أيضًا في كلِّ مرّة تقوم على الأرض ديكتاتوريّة ثقافيّة وإيديولوجيّة والتي هي أيضًا إستعمار؛ فكِّروا بما فعلته الأنظمة الديكتاتوريّة في القرن الماضي في أوروبا ومدارس "إشراب العقيدة" التي نشأت عنها. تُنتزع الحريّة ويُدمَّر تاريخ وذاكرة الشعب ويُفرض نظام تربوي على الشباب. هذا ما حصل في أوروبا وتمَّ اضطهاد جميع الذين عارضوا الأنظمة الديكتاتوريّة، تعرّضوا للتهديد وحُرموا من حريتهم، وبانتزاع الحريّة ينتزع الاستعمار الإيديولوجي والثقافي الذاكرة أيضًا ويحوّلها إلى مجرّد أسطورة أو أمور قديمة. وإذ ذكّر البابا بالأم المكابيّة التي حثّت أولادها على الثبات إزاء الاستشهاد شدّد على دور المرأة الفريد في الحفاظ على الذاكرة والجذور التاريخيّة.
ينبغي الحفاظ على الذاكرة، ذكرى الخلاص وذاكرة شعب الله، تلك الذاكرة التي كانت تقوّي إيمان هذا الشعب المُضطهد من قبل هذا الاستعمار الإيديولوجي – الثقافي. إنَّ الذاكرة هي التي تساعدنا للتغلّب على كل نظام تربوي شاذ. التذكُّر: تذكُّر القيم والتاريخ، تذكُّر الأمور التي تعلّمناها. ومن ثمَّ الأمهات، يخبرنا سفر المكابيين أنَّ الأم تكلّمت مرّتين "بلغة أبائها" وما من استعمار ثقافي بإمكانه أن ينتصر على هذه اللغة.
إن الحنان الأنثوي والشجاعة الذكوريّة التي تحلَّت بهما هذه الأم المكابيّة والتي تقوّت بالجذور التاريخيّة للغة الآباء في الدفاع عن أبنائها وشعب الله يجعلاننا نفكِّر أنَّ قوّة النساء فقط قادرة على مقاومة استعمار ثقافي. الأمّهات والنساء هنَّ حارسات الذاكرة واللغة، القادرات على الدفاع عن تاريخ شعب ونقل الإيمان الذي يشرحه اللاهوتيون لاحقًا.
إنَّ شعب الله قد سار قدمًا بفضل قوّة العديد من النساء الشجعان اللواتي عرفنَ كيف ينقلنَ الإيمان لأبنائهنَّ من خلال لغة الآباء. ليعطنا الرب على الدوام النعمة لنتحلّى بالذاكرة وألا ننسى لغة الآباء وأن يكون لدينا نساء شجعان.
إذاعة الفاتيكان