في زمن يبدو فيه أنَّ المُتِّهِم الكبير يحارب الأساقفة، من الأهميّة بمكان أن يتذكّر الأساقفة أنّ قوّتهم تكمن في كونهم رجال صلاة ومعرفتهم بأن الله قد اختارهم وبأن يبقوا بقرب الشعب. هذا ما تأمل حوله قداسة البابا فرنسيس في عظته صباح يوم الثلاثاء في القداس الذي احتفل به في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان.
استهل الأب الأقدس عظته انطلاقًا من إنجيل القديس لوقا (6/ 12 -19) والذي يخبرنا فيه عن يسوع الذي بعد ان أَحيا اللَّيلَ كُلَّهُ في الصَّلاةِ لله. َلَمّا طَلَعَ ٱلصَّباحُ دَعا تَلاميذَهُ، فَاختارَ مِنهُمُ اثَنَي عَشَرَ سَمّاهُم رُسُلاً – وهم الأساقفة الأوائل - ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُم فَوَقَفَ في مَكانٍ مُنبَسِط، حيث جاء َحَشدٌ كَبيرٌ مِنَ الشَّعبِ لِيَسمَعوهُ وَيُبرَأوا مِن أَمراضِهِم.
إن الجانب الأساسي في خدمة الأساقفة هو أن يكونوا رجال صلاة. فالصلاة في الواقع هي تعزية الأسقف في الأوقات المظلمة، أي أن يعرفوا أن يسوع في هذه اللحظة يصلّي من أجلي ومن اجل جميع الأساقفة. في هذا اليقين يجد الأسقف تلك التعزية وتلك القوّة التي تحمله لكي يصلّي بدوره من أجل ذاته ومن أجل شعب الله. هذه هي مهمّته الأولى. وأن يكون الأسقف رجل صلاة هو أمر يؤكِّده أيضًا القديس بطرس عندما يقول: "لنا الصَّلاةِ وخِدمَةِ كلِمَةِ الله"؛ لا "لنا تنظيم البرامج الراعويّة..."
أما الجانب الثاني فهو أنَّ يسوع يختار الاثني والعشر والأسقف الأمين يعرف أنّه تمَّ اختياره. فالأسقف الذي يحب يسوع ليس وصوليًّا يسير قدمًا بدعوته كما ولو كانت مجرّد وظيفة، فيما يتطلّع نحو إمكانيات أخرى للمضي قدمًا وللتقدّم، لا!! لأنّ الأسقف يشعر بأنّه تمَّ اختياره، لا بل هو متأكِّد من هذا الخيار، وهذا الأمر يحمله على الحوار مع الرّبّ قائلاً: "يا رب أنت اخترتني، أنا الحقير والخاطئ..." وذلك لأنّه متواضع، يعرف بأن الرب قد اختاره وبأنَّ عيني يسوع على حياته وهذا الأمر يعطيه القوّة.
وختامًا، وكما في الإنجيل الذي تقدِّمه الليتورجيّة اليوم، ينزل الأسقف إلى مكان منبسط ليكون قريبًا من الشعب ولا يبتعد عنه؛ لأنَّ الأسقف لا يبقى بعيدًا عن الشعب ولا يتصرّف بأسلوب يُبعده عن الشعب، بل يلمس الشعب ويسمح للشعب بأن يلمسه. ولا يبحث عن ملجئ لدى الأقوياء والنخبة. لأن الشعب هو الذي يحب الأسقف ويملك هذه المسحة الخاصة التي تُثبِّت الأسقف في دعوته.
قوّة الأسقف تكمن في كونه رجل صلاة ومعرفته بأن الله قد اختاره وبأن يبقى بقرب الشعب؛ هذا أمر سيفيدنا تذكّره، لاسيما في هذا الزمن الذي يبدو فيه أنَّ المُتَّهِم الكبير طليق ويحارب الأساقفة. صحيح أننا نحن الأساقفة جميعنا خطأة وان المتَّهم الكبير يحاول كشف الخطايا المرئيّة ليشكك الشعب. لكنَّ قوّة الأسقف ضدّ هذا المتَّهم الكبير هي الصلاة، صلاة يسوع وصلاته، والتواضع إذ يشعر بأنَّ الله قد اختاره وقربه من شعب الله بدون أن يتوجّه نحو حياة أرستقراطيّة تحرمه من هذه المسحة. لنصلِّ اليوم من أجل أساقفتنا: من أجلي ومن أجل جميع أساقفة العالم.
إذاعة الفاتيكان.