من الثالث عشر من آذار مارس لعام 2013 وصولاً إلى اليوم أصبحت الكنيسة أقلّ ارتكازًا إلى المرجعيّة الذاتيّة وأكثر استقبالاً للآخرين. من بين التصرّفات الأكثر أهميّة التي قام بها البابا فرنسيس خلال هذه السنوات الأربعة نجد الزيارة إلى لسبوس في نيسان أبريل لعام 2016 لزيارة اللاجئين بمرافقة البطريرك المسكوني برتلماوس. "الوقت أسمى من المكان" هو شعار الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" الذي يُجسّد معنى الحبرية التي بالإضافة إلى إعطاء الثمار تهدف بشكل خاص إلى زرع المستقبل.
أما على الصعيد السياسي فتُظهِر الزيارة الرسوليّة إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة في أيلول لعام 2015 لعالم خائف القيادة الروحيّة للبابا فرنسيس والمُرتكزة إلى الإنجيل... هذه بعض التأملات التي قدّمها مدير صحيفة "La Civiltà Cattolica" الأب أنطونيو سبادارو اليسوعي في مقابلة أجرتها معه إذاعة الفاتيكان بمناسبة الذكرى الرابعة لانتخاب البابا فرنسيس حبرًا أعظم.
استهل الأب أنطونيو سبادارو حديثه متحدثًا عن التغيير الذي حدث في الكنيسة خلال هذه السنوات الأربعة وقال إن الكنيسة تتغيّر باستمرار لأنها ترتبط بالتاريخ وديناميكياته، وما يمكننا رؤيته خلال هذه السنوات الأربعة هو أن الكنيسة قد أصبحت أكثر انفتاحًا على الواقع وربما أقل اهتمامًا بديناميكياتها الداخليّة والمؤسساتيّة وبالتالي أصبحت أكثر نشاطًا واستقبالاً للآخرين. أعتقد أن رسالة الرحمة والتمييز التي يحملها البابا فرنسيس داخل الكنيسة قد أثمرت انفتاحًا رسوليًّا كما نقرأ في الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل".
تابع الأب أنطونيو سبادارو متحدّثًّا عن تصرّفات البابا فرنسيس وقال في الواقع لا يمكننا أن نحصر تصرّفًا معيّنًا للأب الأقدس، كما أنّه يصعب علينا أن نختار تصرّفًا واحدًا يُلخِّص بشكل صادق هذه الحبريّة. بالتأكيد كثيرة هي التصرّفات التي أثّرت في نفسي ولكن من بينها أثّر فيّ بشكل خاص لقاء لسبوس مع المهاجرين الذي قام به البابا فرنسيس مع البطريرك برتلماوس ولسبب واحد: لأنّه أظهر بوضوح أن مسألة المسكونيّة ليست مسألة محصورة فقط داخل ديناميكيات الحوار اللاهوتي وإنما هي تجيب أيضًا على حاجة في العالم. أي أنَّ العالم ومتطلبات الواقع السياسي في هذه المرحلة يتطلَّبون من المسيحيين أن يتدخّلوا ويكونوا معًا.
وفي جوابه على سؤال أن يلخّص بكلمة معنى حبريّة البابا فرنسيس قال الأب أنطونيو سبادارو حتى الكلمات القليلة تجد مع البابا فرنسيس عمقًا ومعنى كبيرَين، لكن الأب الأقدس ليس صاحب كلمات مفصولة أو عبارات تلفت النظر أو تثير الإهتمام، ولكن إن وجب علي أن أختار جملة فهناك واحدة تؤثّر في بشكل خاص وهي "الوقت أسمى من المكان" إنها عبارة قصيرة جدًّا ولكنها تُعطي معنى حبريّته، لأن حبريّة البابا فرنسيس ليست حبريّة ثمار وحسب، فالثمار ستأتي وهي تنمو وتنضج ولكنها بالأكثر حبريّة بذار، لأن البابا يزرع وبالتالي ينبغي أن نُنضّج نوعيّة البذار التي يتمّ زرعها ولذلك يقول "الوقت أسمى من المكان" أي أنّه ينبغي أن نترك الوقت لكي تسير جميع الأمور قدمًا وتحدّد بعدها التغيرات الكبيرة في حياة الكنيسة في ضوء متطلّبات العالم.
تابع مدير صحيفة "La Civiltà Cattolica" متحدثًا عن الوثيقة التي يعتبرها ذات أهميّة في حبريّة البابا فرنسيس وقال إن الوثيقة التي أحبّها شخصيًّا هي الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" لأنها الوثيقة الكبيرة الأولى للبابا فرنسيس وهي واسعة جدًّا ونجد فيها فعلاً كل شيء.
وبالتالي فهو نص نجد فيه النقاط الأساسيّة للحبريّة لأنه ثمرة خبرة سابقة وليس مجرّد تأمّل نظري ومجرّد وإنما هو خبرة خورخي ماريو برغوليو المعاشة. بعدها تحدث الأب أنطونيو سبادارو اليسوعي عن الزيارة الرسوليّة التي طُبعت في ذاكرته وقال في الحقيقة يصعب عليَّ أن اختار زيارة واحدة بشكل خاص، لأن كلاً منها قد تميّز بطابع فريد ولكن إن وجب علي أن أختار زيارة واحدة، فأختار الزيارة إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة في أيلول عام 2015، لأنه وخلال تلك الزيارة أدرك العالم أهميّة الدور السياسي الذي يلعبه الأب الأقدس، فالبابا يعبّر عن نوع من "السلطة اللطيفة" ذات جذور روحيّة.
ففي مرحلة تُبنى فيها الحواجز لا الجسور ويبدو فيها أن الخوف يسيطر على العالم، أظهرت تلك الزيارة أن البابا يملك دورًا مهمًّا وأن الرؤية في الإنجيل تعبّر عن رؤية للواقع ولعالم اليوم أصبحت في يومنا هذا مرجعيّة أساسيّة.
وختم الأب أنطونيو سبادارو حديثه لإذاعتنا مشيرًا إلى أن البابا فرنسيس قد ذكّر المؤمنين مؤخّرًا أنّه يصلّي يوميًّا الصلاة التي كان القديس تومازو مورو يصلّيها ليتحلّى بمزاج جيّد وقال إن البابا فرنسيس يتحلّى على الدوام بمزاج جيّد، وقد قال لي مرّة أنه ومنذ أن تمَّ انتخابه حتى اليوم لم يفقد سلامه أبدًا وهذا السلام يتحوّل أحيانًا إلى مرح وفكاهة، والبابا قادر على الدعابة والفكاهة، والسبب هو أن الفكاهة تجعلك ترى الواقع من وجهة نظر مختلفة، والبابا فرنسيس يحب أن يرى الواقع بشموليّته وبتعقيداته.
إذاعة الفاتيكان.