افتتاح أعمال سينودس أساقفة الكنيسة المارونية

متفرقات

افتتاح أعمال سينودس أساقفة الكنيسة المارونية

 

 

 

افتتاح أعمال سينودس أساقفة الكنيسة المارونية

 

 

 

إخواني السّادة المطارنة والإكسرخوسَين الأجلّاء،

 

1. في الرِّياضة الرُّوحيَّة التي قضينا فيها معًا أربعة أيّام من الصَّلاة والتأمّل بقيادة مرشدها الأب داني يونس، الرّئيس الإقليميّ للآباء اليسوعيّين، قد تهيّأنا للدّخول في أعمال سينودس كنيستنا المقدّس، وجدول أعماله مثقل بالمواضيع التي تقتضي التعمّق والتشاور والقرار. فإنّا نضعها كلّها تحت أنوار الرُّوح القدس، وشفاعة أمّنا مريم العذراء، أمّ الكنيسة وسلطانة الرُّسل. فأوّل ما يتطلّب منّا هذا العمل الكنسيّ في سينودس الأساقفة الذي يشكّل برئاسة البطريرك السُّلطة العليا في كنيستنا، أن نتحلّى بروح المسؤوليّة وحريّة الضّمير، وبالتجرّد من الذات والحسابات الخاصّة، والمحاباة بالوجوه.

 

2. أودّ أن أوجّه معكم تحيّة محبّة لإخواننا السَّادة المطارنة الذين لم يتمكّنوا من المشاركة في أعمال هذا السينودس المقدّس، بداعي تقدّمهم في السّن والمرض. إنّهم يرافقوننا بصلواتهم، ونحن كذلك نحملهم في صلاتنا، راجين لهم الصّحة التّامة والعمر الطويل.

 

3. تتناول أعمالنا كما هو ظاهر في جدول الأعمال: الليتورجيّا التي تغذّي حياة كنيستنا، بأبنائها وبناتها ومؤسَّساتها، من كلام الله وجسد المسيح، وتُدخلنا في عمق سرّ الكنيسة، وتُغني تراثنا وتحفظه، وتؤمّن اتّحادنا مع كنيسة السّماء، وتضمن وحدة كنيستنا المنتشرة في القارّات الخمس، وتوفّر لأبنائها سُبل الخلاص.

 

4. وتتناول التنشئة الكهنوتيّة، في المدارس الإكليريكيّة، وكلّيات اللّاهوت، وفي سنوات الكهنوت. وهي تنشئة متعدّدة الأبعاد: تبدأ بالتنشئة الإنسانيّة التي هي أساس كلّ تنشئة كهنوتيّة، بحيث يتربّى كاهن الغد على حبّ الحقيقة والنزاهة واحترام كلّ إنسان، وعلى العدالة والوفاء بالوعد والشفقة على الغير، وامتلاك النفس واتّزان الرّأي والتصرّف. وتقتضي منه هذه التنشئة أن يكون رحب الصّدر مخلصًا في كلامه، فطنًا رزينًا سخيًّا مستعدًّا للخدمة، سريعًا إلى التفهّم والمسامحة، وبالغًا نضجه العاطفي (أعطيكم رعاة، 43، 44).

 

وتليها التنشئة الرُّوحيّة، وهي العنصر الأهمّ في التنشئة الكهنوتيّة، لكونها الاتّحاد العميق بالله، والبحث الدائم عن المسيح. ثمّ التنشئة الرَّاعويَّة التي تجد فيها أسسها. وتأتي بالطبع التنشئة العلميّة اللّاهوتيّة وسواها. ومن الضرورة بمكان تطبيق شرعة التنشئة الكهنوتيّة التي أقرّها مجمعنا المقدّس.

 

5. إنّنا نعاني كلّنا من النقص لدى كهنتنا في التنشئتين الإنسانيّة والرُّوحيَّة، ونشهد تدنّيًا ملحوظًا في المستوى العلميّ واللّاهوتيّ. الأمر الذي يحدّ من رسالة كهنتنا ونوعيّتها. فلا بدّ من التشاور من أجل تسمية رئيس جديد لإكليريكيّة مار مارون غزير البطريركيّة، وفريق المنشِّئين، بعد المستجدّات التي حصلت.

 

6. ومن بين القضايا المقلقة، التعليم البيبليّ واللّاهوتيّ والعقائديّ والأخلاقيّ، إذ نلحظ تفلّتًا في التّعليم، والظهور على الوسائل الإعلاميّة، من دون استئذان السّلطة الكنسيّة، يتسبّب بتشكيك المؤمنين. فيتوالى إلينا العديد من الشكاوى. فبعد التشاور في هذا الموضوع في اجتماعاتنا أنشأنا لجنة أعدّت لنا "مشروع إرشاد لاهوتيّ راعويّ لتصويب التّعليم في كنيستنا"، فننظر معًا في أهمّ ما جاء فيه.

 

7. ثمّ تأتي شؤون الأبرشيّات في النطاق البطريركيّ، وفي بلدان الإنتشار، وشؤون إكسرخوسيّتَي أفريقيا وكولومبيا. فتُعرض علينا حاجتان لا بدّ من التعاون معًا لتلبيتهما. وهي الحاجة إلى كهنة، والدّعم الماليّ للأبرشيّات الفقيرة من قِبل المقتدرة. وقد هيّأت لنا اللجنة المكلّفة مشروعًا لهذا الدّعم.

 

7. ويواجهنا موضوع شائك آخر هو ممارسة العدالة في محاكمنا التي أصبحت متّجهة بسهولة إلى إبطال الزواج لأسباب نفسيّة عند أيّ خلاف بين الزوجَين. وبالتالي موضوع حماية الزواج والعائلة من خلال راعويّة مكثّفة في الأبرشيّات والرعايا؛ ومن خلال تأسيس مراكز تحضيريّة للزواج تطبّق برنامج اللّجنة الأسقفيّة للعائلة والحياة، وتكون المشاركة في كامل البرنامج إلزاميّة للسّماح بالزواج؛ ومن خلال إنشاء مراكز إصغاء ومصالحة. إنّ الزواج والعائلة هما في عهدتنا الراعويّة. فلا يكفي أن نسمح بالزواج، بل يجب علينا أيضًا حماية الحياة الزوجيّة والعائلية ومرافقتها وحلّ مشاكلها، وتجنيبها الوصول إلى القضاء وكسر الرِّباط الزَّوجيّ.

 

8. وفي إطار دوائر الكرسيّ البطريركيّ، لا بدَّ من إيلاء اهتمام خاصّ براعويّة الشبيبة، التي هي أمل الكنيسة، وبتعزيز روحانيّة الكهنة، والتنسيق بين السُّلطة الكنسيّة والرهبانيّات، وبشدّ روابط التعاون مع أبرشيّات الإنتشار، ومع المؤسّسة المارونيّة للإنتشار في شأن تسجيل قيود النفوس الشّخصيَّة.

 

9. ونواجه معًا القلق على المستقبل: في لبنان الذي يتخبّط في أزمات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وأمنيّة، ويرزح تحت عبء المليونَي نازح ولاجئ يتزايد عددهم سنويًّا بعشرات الألوف، ويسابقون اللبنانيّين على لقمة العيش، فيضطرّ هؤلاء إلى الهجرة وإفراغ البلاد من قواها الحيّة. وفي سوريا التي هي ضحيّة حروب مفروضة عليها فرضًا، ولنا فيها ثلاث أبرشيّات تعاني من تداعيات الحرب والتدمير والنزوح وحرمان حاجيّات الحياة. وفي العراق، حيث شعبه بكلّ أديانه يسقط ضحيّة الإرهاب والعنف والتفجير، وعدد المسيحيّين يتضاءل وفعاليّتهم في مجتمعاتهم تضعف.

 

ولا يغيب عن بالنا وتفكيرنا الوضع الدقيق في بلدان الخليج، ومأساة القضيّة الفلسطينيّة، والاضطرابات في الأراضي المقدّسة، ومآسي إخوتنا الأقباط في مصر. لكنّنا لا نهمل في صلاتنا أي بلد يتألّم ويعاني من الحروب والنزاعات.

 

10. إنّنا في كلّ ذلك، مدعوّون للإعراب عن قربنا الرُّوحيّ والمعنويّ من الجميع، ولعمل ما باستطاعتنا من أجل حمل قضيّتهم والدّفاع عنها، والمطالبة بحقوقهم في عيش كريم آمن في أوطانهم.

 

11. بالاتّكال على أنوار الرُّوح القدس، وشفاعة أمّنا وسيّدتنا مريم العذراء نبدأ أعمال السينودس المقدّس، راجين أن تكون نتائجه لمجد الله، وخير كنيستنا، وتقديس النفوس.

 

 

 

 

موقع بكركي.