إسهروا...

متفرقات

إسهروا...




نبدأ زمن المجيء مع كلمات يسوع في إنجيل مرقس (مر 13: 33-37)، وفي قلبنا شوق كبير إلى مخلّص يشفينا من قلقنا ويحرِّرنا من مخاوفنا، وفي عمقنا اشتياق إلى زمن سلام وعدل يرفع عن مجتمعاتنا وأوطاننا خطر التعنّت والتعصّب وما يتبعهما من عنف. فماذا يقول لنا الإنجيل؟ يقول إنّ الله معنا في مكان حياتنا وعملنا، في حقلنا وبيتنا، في تعبنا وجهدنا، في آمالنا وتطلعاتنا.


يُعلن يسوع في الإنجيل أنّ الله معنا بالأخص حين نعتقد أنّ كلّ شيء انتهى وأنّ كلّ ما هو جميل معرّض للغرق والاختفاء تحت المياه الجارفة. يقول يسوع أنّ الله حاضر حين يظنّ الكلّ أنّه بعيدٌ، بعيدٌ، وكأنّه نسيّ النّاس والعالم، وحين يغوص البشر في مشاكل حياتهم ويغيب الله عن أذهانهم وحياتهم.


زمن المجيء هو وقت تجديد الإيمان بأنّ الله حاضر مع البشر في كلّ وقت وفي كلّ مكان، بل أكثر من ذلك، فقد جعل الله مسكنه بين البشر وفيهم، ورغب في قلبه أن تتحوّل كلمته إلى بشر، في أن تصير إنسانًا يعلن بحياته أنّ الله مع الناس، عمّانوئيل، يحيا في بيوتهم، يعرف مشاعرهم، ويفهم معاناتهم، ويقدّر آمالهم وأحلامهم. الكلمة صار بشرًا وعاش بيننا (يو 1: 14)، وحمل اسم يسوع، أي الله يخلّص، وعرف كلّ ما يدور في قلب الإنسان، ورافق البشر في أماكن حياتهم وعملهم، وأحبّ الإنسان في جماله وقبحه، في خيره وشرّه، في سموّه وسقوطه.


تضامن يسوع مع الناس وبالأخص مع كلّ الذين يغرقون تحت وطأة الأنانيّة ويستسلمون لشهواتهم وميولهم الكاذبة ويفضلون الظلمة على النّور، وقد عبّر القدّيس بولس بوجه رائع عن حضور الله الفيّاض حين تكثر الخطيئة وتزداد، فتساءل قائلاً في رسالته إلى أهل رومة: "ولكن حيث كثرت الخطيئة فاضت نعمة الله (5: 20) .... فماذا نقول؟ أنبقى في الخطيئة حتى تفيض نعمة الله؟ كلا! (6: 1-2)".


الربّ معنا لا يتركنا أبدًا، يمشي بجانبنا، يحملنا بين ذراعيه، يمسح كلّ دمعة من عيوننا، يشفي قلبنا وذاكرتنا، ويحرِّر إرادتنا ومشاعرنا. ويأتي زمن المجيء ليدعونا لنفتح قلوبنا كي نكتشف الحاضر بيننا دون أن نراه، وأن نلتفت إلى القائم وسطنا دون أن ندري. هذا هو معنى السَّهر الذي ينادي به يسوع، أيْقِظوا قلوبكم من نومها، أفيقوا من غفلتكم، أخرجوا من سكرة همومكم ونزاعاتكم وبحثكم عن السّعادة الواهية والخادعة وراء المباهج الاستهلاكيّة والشهوانيّة.


الربّ نور وحياة، فرح وسلام، رحمة ومغفرة، يسكن قلوبنا بوجه أعمق من حضورنا لأنفسنا، يدّق على باب حياتنا برقّة ولطف وعذوبة، لنفتح له ويدخل بيتنا، فيأكل معنا ونحن معه (رؤ 3: 20).


دخولنا في الصّلاة يعني أنّنا خرجنا من نومنا، وقلبنا مستعدّ للقاء الحبيب السّاكن فيه. سيكلّمنا لنحيا من جديد، ونتذوّق طعم الفرح والسّلام، وتمتلئ عيوننا بالنّور، فتشّع حياتنا بهجة ورجاء حولنا.


موقع Jespro