"الفساد هو شكل من أشكال التجديف، لغة بابل التي بالنسبة لها لا وجود لله وإنما فقط لإله المال والرفاهيّة والاستغلال" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الخميس في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان وذكّر في هذا السياق أن الكنيسة تدعونا في آخر أسبوع من السنة الليتورجيّة لنتأمّل حول نهاية العالم ونهاية حياتنا.
استهلّ الأب الأقدس عظته انطلاقًا من سفر رؤيا القديس يوحنا(رؤ18/ 1 -2، 21 -23. 19/ 1 - 3 ) والتي تحدثنا عن ثلاثة أصوات.
الصوت الأول هو صرخة الملاك: "سَقَطَت، سَقَطَت بابِلُ ٱلكُبرى!" تلك التي كانت تزرع الفساد في قلوب الأشخاص وتحملنا جميعًا على درب الفساد. فالفساد هو أسلوب الحياة في التجديف، لا بل الفساد هو شكل من أشكال التجديف، ولغة هذه المدينة بابل، هي تجديف لأنه بالنسبة لها لا وجود لله وإنما فقط لإله المال والرفاهيّة والاستغلال؛ وروح العالم هذا الذي يغوي كبار الأرض سيسقط.
هذا كلّه سيسقط وهذه الحضارة ستسقط أيضًا وبالتالي فصرخة الملاك هي صرخة انتصار: "سَقَطَت، سَقَطَت بابِلُ ٱلكُبرى!" تلك التي كانت تخدع بإغراءاتها، وإمبراطوريّة الغرور والكبرياء ستسقط كما سقط الشيطان.
ولكن بعكس صرخة الملاك التي كانت صرخة انتصار لسقوط تلك الحضارة الفاسدة، نجد أيضًا صوتًا آخرًا قويًّا أيضًا وهو صراخ الجمع الذي كان يمجِّد الله: "لإِلَهِنا ٱلنَّصرُ وَٱلمَجدُ وَٱلقُدرَة". إنه صوت العبادة، عبادة شعب الله الذي سوف يَخلُص وصوت الشعب الذي لا يزال يسير على الأرض. شعب الله الخاطئ ولكنّه ليس فاسدًا لأنّه يعرف كيف يطلب المغفرة ويبحث عن خلاص يسوع المسيح.
هذا الشعب يبتهج عندما يرى النهاية، وفرح الإنتصار يصبح عبادة. لا يمكننا أن نبقى فقط مع أول صرخة للملاك إن لم ترافقها صرخة عبادة الله القويّة هذه. لكنّه صعب بالنسبة للمسيحيين أن يرفعوا صلاة العبادة؛ عندما يتعلّق الأمر بصلاة الطلب فنحن أفضل من يقوم بها ولكننا لا نعرف صلاة التسبيح والتمجيد وليست سهلة بالنسبة لنا.
لذلك ينبغي علينا أن نتعلّمها، وأن نبدأ منذ الآن بتعلّمها لكي لا نتعلّمها بعجلة عندما نصل إلى هناك، وفي هذا السياق شدّد البابا على جمال صلاة العبادة أمام بيت القربان، صلاة نرفعها أمام الله قائلين: "أنت الله وأنا ابنك البائس الذي تحبّه".
وختامًا هناك الصوت الثالث والذي هو همس الملاك الذي يقول ليوحنا: "أُكتُب: طوبى لِلمَدعُوّينَ إِلى وَليمَةِ عُرسِ ٱلحَمَل!"، لأن دعوة الرب ليست صراخًا وإنما هي صوت عذب، تمامًا كالصوت الذي حدث به الله إيليا، لأن الله يحدث القلب، وهكذا يكون صوت الله عندما يحدث قلبنا: صمت يتكلّم.
وهذه الدعوة إلى وليمة عرس الحمل ستكون النهاية، ستكون خلاصنا. والذين دخلوا وليمة العرس هم الذين كانوا على مفارق الطرقات كما يقول لنا يسوع في المثل: صالحون وأشرار، عميان وأصمّاء وعرج... أي جميعنا نحن الخطأة وإنما بالتواضع الكافي كي نقول: "أنا خاطئ والله سيخلّصني" وإن كان قلبي متواضعًا فسيدعونا الله، وسنسمع هذا الصوت الهامس الذي يدعونا إلى العرس.
يُختتم الإنجيل الذي تقدّمه لنا الليتورجيّة اليوم بهذا الصوت القائل: "وَإِذا أَخَذَت هَذِهِ الأُمور تَحدُث، - أي دمار الكبرياء والغرور – فَانتَصِبوا قائِمين، وَارفَعوا رُؤوسَكُم، لأنَّ ٱفتِداءَكُم يَقتَرِب"، فهذه علامة بأننا نلنا الدعوة لعرس الحمل. ليمنحنا الربُّ نعمة الاستعداد لسماع ذلك الصوت: "أَحسَنتَ أَيُّها الخادِمُ الصَّالِحُ الأَمين – خاطئ ولكن أمين – أُدخُل نَعيمَ سَيِّدِكَ!"
إذاعة الفاتيكان.