إنّ معجزة شفاء الأعمى والأخرس لها بعض السِّمات المميّزة. ففي الإنجيل عميان كثيرون يسمعون ويتكلّمون، أو خرس وصمّ في آنٍ واحد. أمّا هذا الشّخص فهو أعمى وأخرس، لا بسبب المرض، بل بسبب روحٍ شرّير. إنّه ممسوس (متى12 /22-32).
وحين نتابع القراءة نلاحظ أنّ هذا الممسوس ليس وحيدًا. فالفرّيسيّون أنكروا أيضًا أنّهم رأوا معجزة، وعجزوا عن قول ما قالته الجموع: «لعلّ هذا هو ابن داوُد». لدينا إذًا تجسيد واقعيّ لحالة الممسوس، الأعمى والأخرس، في شخص الفرّيسيّين الّذين لهم عيون ولا يبصرون، ولهم أفواه ولا يتكلّمون. إنّهم ليسوا وحدهم. ففي كلّ زمانٍ ومكان، وحتّى حولنا، هناك مَن لا يرون عمل الله في الآخرين، خصوصًا الغرباء عن جماعتهم، ويعجزون عن الإقرار بعمل الرُّوح القدس فيهم، فيتّهمونهم بشتّى الاتّهامات، ويفسّرون صلاحهم بتفسيراتٍ سلبيّة أقلّ ما يمكننا أن نقول عنها إنّها إنكار لعمل الرُّوح في العالم وفي الناس.
الأعمى لا يرى علامات الملكوت الحاضرة بشكل بذارٍ وتنتظر مَن يسقيها لتنمو وتزهر وتأتي بثمر. والأخرس يستاء من ذكر الخير في الآخرين، بل يتلذّذ بسرد سيّئاتهم وانتقادهم، فيعجز عن إعلان ما يفرح الناس ويدخل التعزية إلى قلوبهم، أي يعجز عن إعلان الخبر السَّار. ويصير الإيمان لديه مجموعةً من القواعد الصَّارمة التي تثقل كاهل الإنسان، والتي ينبغي حفظها بأدقّ تفاصيلها، تمامًا كما يفعل الفرّيسيّون.
وينتقل يسوع إلى الكلام على الرُّوح القدس. إنّه يدعونا إلى أن نراه يعمل على الرغم من مشهد العالم المظلم الذي يظهر لعيوننا غير المتجلّية. نحن بحاجةٍ إلى صلاةٍ حارّة كي يزيح الرُّوح الغشاوة عن عيوننا، فنراه يعمل وراء الكواليس، ويحضّر عالمًا أفضل، عالم لن تقوى عليه الشرور والآثام. نحن بحاجةٍ إلى أن نرى علامات الرَّجاء تلمع، وإن ببصيص ضئيل، في وسط ظلمة بؤسنا وصعوبات حياتنا، وإلى إيمانٍ بأنّ هذا البصيص سيصبح عاجلاً أو آجلاً شمسًا تنقشع أمامها كلّ ظلمة.
وحين ننال من الرُّوح القدس هبة النظرة المعمّقة هذه، نحن بحاجةٍ إلى شجاعة الإعلان. لا إعلان النكبات، بل إعلان الفرج القريب. إعلان يخالف ما تربّى كثيرون عليه، أي ملاحظة السلبيّات وعدم ملاحظة الإيجابيّات. إعلان يدخل الفرح إلى القلوب ويولّد الحماس، والرَّغبة، والشوق من أجل المضيّ قدمًا في طريق القداسة والنموّ. حين نرى، ونقول، بهذه الطريقة، نتحرّر روح الشرّير إن هيمن، لا قدّر الله، علينا.
الأب سامي حلاق اليسوعيّ