آخر كلمات قالها يسوع على الصّليب هي كلمات بسيطة وتبدو عاديّة لكنّها أساسيّة وتوضح لنا لا فقط معنى موته وغايته لكن أيضاً معنى حياتنا وغايتها. المسيح على الصّليب حسب الأناجيل الأربعة ذكر سبع كلمات. فماذا قال؟ ولماذا قالها؟
الكلمة الأولى
"يا أبتِ إغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ما يفعلون" (لو 23: 34). حسب المفسّرين تلك هي أولى كلمات المسيح على الصّليب، طلب المغفرة. فلمن هذه المغفرة؟ أللجنود الذين قتلوه أم لليهود الذين أسلموه، أللرومان الذين صلبوه أم لكلّ البشر. هل هي لكلّ إنسان وإن لم يكن موجوداً هناك؟
بطرس يقول للشّعب "إني أعلم أيّها الإخوة أنّكم فعلتم ذلك بجهالة" (أع 3: 17-19). بطرس يوجّه حديثه لشعب إسرائيل الذي أتى ليسمعه، فيقول أعلم أنّكم قتلتم المسيح لأنّكم لم تعرفوه. يقول هذا للشّعب وأكثره لم يكن هناك أثناء الصّلب. أي يقول هذا لأشخاص لم يُشاركوا فعليًّا في الصّلب. لأنّه يعلم أن المسيح مات ليس فقط بسبب من صلبه لكن بسبب كلّ البشريّة ولأجل كلّ البشر.
المسيح طلب المغفرة على الصّليب لكلّ إنسان، حتّى وإن كان هذا الإنسان لا يعرف. كلّ إنسان حصل على الغفران بموت المسيح، كلّ إنسان بمعنى الكلمة هو مغفور له؛ للقتلة، للزّناة، للإرهابيّين، لمن يقتل لأجل هدف ما، لمن يظلم، لمن يسرق، لمن يُدمّر حياته بأحكامه وخطاياه، فالمسيح طلب بالفعل المغفرة لكلّ الناس.
الله تصالح مع كلّ إنسان في صليب المسيح، ولكن بقي أن يقبل الإنسان هذا الصّلح. لكن كيف يقبله إن لم يُخبره به أحدٌ مثلما فعل بطرس مع الشّعب؟ كيف يعرفه إن لم يُبشّرُهُ أحد؟ كلّ إنسان حصل على المغفرة لكن بقي أن يتنّعم بها، لكن كيف سيتنّعم بها إن كان يجهلها؟
المسيح سيجذب إليه كلّ البشر عند صلبه كما يقول: "وأنا إذا رُفعتُ من الأرض، جذبت إليَّ الناس أجميعن" (يو 12: 32). الجميع! لأنّهم سيجدون رحمة ً ومغفرةً وليس هلاكًا وحكمًا. هذا ما يجذب الإنسان أن يجد رحمة.
الإنسان يعرف في العمق خطيئته ويعلم أنّها سبب تعاسته، وعندما يجد أنّ الله لا يحكم عليه، لا يرذله من أمام وجه، بل على العكس يغفر له ويرحمه، هذا الإنسان يركض إليه، يقول لله كما قال إرميا: "إستغويتني يا ربّ فتركت نفسي أُستغوى" (إر 20: 7). لكن أيّ رحمة؟ "رحمة" بالعبريّة كما بالعربيّة من أصل "رَحِم" أي أحشاء الأمّ، فالرّحمة هي إمكانية ولادة جديدة. ليست فقط نسيان ما تمَ، ولكنّها خلق جديد. خلق جديد يسمح للشّخص بأن يحيا بطريقة جديدة ومختلفة عمّا كان من قبل. تلك الرّحمة تجذب مَن كان في عمق أعماق الشرّ. إنّها إمكانيّة حياة جديدة تجذب الكلّ فمن يستطيع أن يرفُضها!!
تلك هي أولى كلمات المسيح على الصّليب: رحمة للكلّ، حياة جديدة للكلّ. وهذا يعطي لنا، إمكانية حياة جديدة، ويعطي لنا أيضاً أن نعلنها لمن لا يعلمها.
لذلك يقول المسيح كلمته الثانية وهي... وإلى صباحِ يومٍ ثانٍ.
الفاتيكان - 2010.