مُشْتَهى الأمَم

القوت اليومي

مُشْتَهى الأمَم




"ذابَتْ نَفسي شَوقًا إلى خَلاصِك " (مزمور 118 / 81)، يَعْني في انْتِظارِهِ. ما أسْعَدَ الضـُّعْفَ حَيْث يَظهَرُ الشّوْقُ إلى الخَيرِ الذي لمْ يَحْصُلْ بَعْد، وَلكِنّهُ مُشتُهىً بِشَغَف! مَنْ تَعْني هذِهِ الكلِمات، مُنذ إنشاءِ البَشَريَّةِ إلى آخرِ الأزمِنَة، غيرَ الذ ُّرِّيَّةِ المُختارَة، والكَهْنوتِ المُلوكِيّ، والشَعْبِ المُقتَنى، بَلْ كُلَّ إنسانٍ على الأرْضِ عاشَ أو يَعيشُ في شَوْقٍ إلى المَسيح؟



والشّاهِدُ على هذا الانتِظارِ هُوَ سِمْعانُ الشَيْخُ القِدِّيسُ الذي صَرَخَ عِندَما قبِلَ المَسيحَ بَين ذِراعَيْه: "ألآن تُطلِقُ عَبْدَكَ أيُّها الرَّبُّ على حَسَبِ قوْلِك بِسَلام، فإنَّ عَيْنَيَ قدْ أبْصَرَتا خَلاصَك! لأنّهُ كان قدْ أوْحِيَ إليهِ بِالرُّوحِ القُدُسِ أنّهُ لا يَرى المَوتَ حتّى يُعايِن مَسيحَ الرَّبّ".


إنَّ شَوقَ هذا الشَيخِ هُوَ، بِحَسَبِ إيمانِنا، شَوقُ جَميعِ القِدِّيسين في العُصورِ الغابِرَة. كما كان الرَّبُّ ذاتُهُ يَقولُ لِتلامِيذِه: "إنَّ كَثيرين مِن الأنْبياءِ والصِّدِّيقين اشتَهَوا أنْ يَرَوا ما أنتُم راؤون وَلمْ يَرَوا، وأنْ يَسْمَعوا ما أنتُم سامِعون وَلمْ يَسْمَعوا" يَجِبُ عليهِم هُمْ أيْضًا أنْ يُحْصَوا بَين الذين يُرَتّلون: ذابَتْ نَفسي شَوْقًا إلى خَلاصِكَ".


إنَّ شَوقَ القِدِّيسين لمْ يَخْمُدْ قط ُّ، وَمِن الآن فصاعِدًا لنْ يَخْمُدَ في جَسَدِ المَسيحِ الذي هوَ كَنيسَتُهُ، حَتّى انْقِضاءِ الدُّهورِ وإلى أنْ يَأتيَ مُشْتَهى كُلِّ الأمَم، المَوعودُ بِهِ في النّبيّ. وكذلِك بولسُ يَستَطيعُ أنْ يَصْرُخ: "وإنّما يَبقى إكليلُ البِرِّ المَحْفوظِ لي، الذي يَجزيني بِهِ في ذلِك اليَومِ الرَّبُّ الدَّيَّانُ العادِلُ لا إيَّايَ فقط بَلْ جَميعِ الذين يُحِبُّون تَجَلّيهِ أيْضًا". فالشَوقُ الذي نَحْنُ في صَدَدِهِ يَأتي مِنْ حُبِّ تَجَلّي المَسيح. وعَنْ هذا التّجَلّي يَقولُ بولسُ أيْضًا: "حِينَما يَظهَرُ المَسيحُ الذي هُوَ حَياتُنا حينئذٍ تَظهَرون أنتُم أيضًا مَعَهُ في المَجْد".


إنَّ الكنيسَة في الأزمِنَةِ الأولى، قبْلَ أنْ تَلِدَ العَذراء، قدْ أحْصَتْ قِدِّيسين كانوا يَتوقون إلى مَجيءِ المَسيحِ في الجَسَد. وفي أيّامِنا الحاضِرَة، مُنذ الصُّعود، الكَنيسَةُ نفسُها تُحْصي قِدِّيسين غيرَهُم يَشْتَهون تَجَلّي المَسيحِ لِيَدين الأحْياءِ والأمْوات.


إنَّ انتِظارَ الكَنيسَةِ لِلمَسيح، مُنذ البَدْءِ إلى مُنْتهى الأزمِنَة، لمْ يَعْرِفْ أيَّ تَوَقُفٍ إلّا في الفترةِ التي عاشَها المَسيحُ على الأرْضِ بِرِفقةِ تلاميذِه. وهَكذا يَحِقُّ لِجَسَدِ المَسيحِ بِكامِلِه، وهو يَئِنُّ في هذِهِ الحَياة، أن يُرَتّلَ معَ صاحِبِ المَزامير: "تذوبُ نفسي إلى خلاصِكَ، وَأترَجَّى أقوالكَ".


القِدِّيسِ أغوسْطينوس (+430)