مَفاعيلُ الرُّوح ِ القُدُس

القوت اليومي

مَفاعيلُ الرُّوح ِ القُدُس

 

 

 

 

 

إنَّ الرُّوحَ القُدُس هُوَ الذي يُحْدِثُ الإعادَةَ  إلى الفِرْدَوْسِ والصُعودَ إلى مَلَكوتِ السَّماواتِ والعَوْدَةَ إلى التَّبَنّي. وَهُوَ الذي يُولي الثِقَةَ بأنْ نَدعو الله "أبّا"، وَبِأنْ نَشْتَرِكَ في نِعْمَةِ المَسيح، وَبِأنْ نُدْعَى أبْناءَ النُّور، وَبِأنْ نَشْتَرِكَ في المَجْدِ الأبَدي، وَبِكَلِمَةٍ  واحِدَةٍ  بِأنْ نُغْمَرَ بِجَميع ِ البَرَكات، في هذا الدَّهْرِ وفي الدَّهْرِ الآتي، وَبِأنْ نَرَى في مِرْآة ٍ، كَما لَوْ كانَتْ حاضِرَة، تلك الخَيْراتِ التي تَدَّخِرُها لَنا المَواعِيد، والتي نَنْتَظِرُ التَمَتُّعَ بِها بِواسِطَةِ الإيمان. وإذا كَانَ هذا هُوَ العُرْبُون، فماذا يَكونُ المَجْموع؟ وإذا كانتِ البَواكِيرُ عَظيمَةً  بِهذا المِقْدار،  فَماذا يَكونُ إذَنْ الِامْتِلاءُ الكَامِل؟

         

 

إليْكَ طَريقَة ً لِإدْراكِ الفَرْق ِ القائِم ِ بينَ الرُّوح ِ القُدُس ومَعْمودِيَّةِ الماءِ: يوحَنّا عمَّدَ بالماء، وَسَيِّدُنا يَسوعُ المَسيحُ عَمَّدَ بالرُّوح ِ القُدُس: "أنا أُعَمِّدُكُمْ بالماءِ لِلتَّوْبَة، وأمَّا الذي يأتي بَعْدي، فَهُوَ أقوَى مِنّي وأنا  لا  أسْتَحِقُّ أنْ أحُلَّ حِذاءَهُ، وَهُوَ يُعَمِّدُكُمْ بالرُّوح ِ القُدُسِ والنّار" (متى 3/11). يَدْعو هُنا يوحَنّا "مَعْمـودِيَّةَ  نار"  إمْتِحانَ الدَّيْنونَة، وِفْقاً  لِقَوْل ِ الرَّسُول: سَتَمْتَحِنُ النّارُ عَمَلَ  كُلِّ  واحِدٍ ما هُوَ، وأيْضاً لأنَّ يَوْمَ الرَّبِ  سَيُظْهِرُهُ إذْ يُعْلَنُ بِالنّار (1 كور3/13).

     

 

  والحالُ أنَّ ثَمَّةَ  مَنْ، بِعِراكِهِمْ في سَبيل ِ الإيمانِ القويم، قَدْ احْتَمَلوا، بِكُلِّ تَأكيد، وَلَيْسَ فقط على سَبيل ِ الاحْتِذاء، المَوْتَ لِأجْلِ المَسيح: فَلَمْ يَكُنْ هَؤلاءِ  بِحاجَةٍ إلى رَمْزِ الماءِ كَيْ يَخْلُصوا، لِأنَّهُمُ اعْتَمَدوا بِدَمِهِمْ ذاتِه. أقولُ هذا لا  لِأنْبُذَ مَعْمودِيَّةَ الماء، بَلْ لِأنْقُضَ بُرْهانَ هَؤلاءِ الثائِرينَ ضِدَّ الرُّوح ِ القُدُس، المازِجينَ ما لا يَمْتَزِج،  المُقارِنينَ ما لا يُمْكِنُ مُقارَنَتُهُ.

 

 

 

 

                                                           (كتاب الروح القدس ، 15)

 

القِدِّيسِ باسِيلِيُوسَ الكَبير (+379 )