لقد اعتمدَ بِمَعموديَّتِنا

القوت اليومي

لقد اعتمدَ بِمَعموديَّتِنا

 

 

 

 

 

لقد اعتمدَ بِمَعموديَّتِنا

 

 

 

رَبُّنا نفسُهُ مِنْ يوحَنّا، لكنّهُ لمْ يَعتَمِدْ بِمَعموديَّةِ يوحَنّا التي كانتْ لِلتّوبَةِ ولِمَغفِرَةِ الخَطايا. لمْ يَكُنْ بحاجةٍ إليها، لأنَّهُ كان حُرّاً تَماماً من الخَطيئة. لقد اعتَمَدَ بِمعموديَّتِنا نحنُ، فَسَبَقَ وَصَوَّرَ لنا مِثالها. وقبِلَ الرّوحَ القُدُسَ الذي ظهَرَ نازِلاً في شِبهِ حَمامَةٍ واستَقرَّ عليه، كما قالَ الإنجيليّ.

 

أمَّا يوحَنّا، فلمْ يَكُنْ يَستَطيعُ أنْ يُعطيَ الرّوح، وهوَ نفسُهَ قال: "أنا أعمِّدُكُم بالماء، ولكِنَّ بينَكُم مَنْ لستُم تعرفونه" (يو 6 /1)، "هوَ يُعَمِّدُكُم بالرُّوحِ القُدُسِ والنّار" (متى 11 /3). أظهَرَ يوحنّا جليّاً أنْ ليسَ لهُ أنْ يُعطيَ الروح، لأنَّهُ لمْ يَنَلْ سِوى التَّعميدِ بالماء، بمَعموديَّةِ التّوبةِ لِغُفرانِ الخطايا.

 

أمَّا رَبُّنا فيُعطي الرّوح. لقدْ أعطانا الآن باكورَةَ الرّوحِ في المَعموديَّة، على رجاءِ الخَيراتِ الآتيَة، ووَعَدَنا أنْ يُعطينا إيَّاهُ كُلّهُ في القيامة، إذ يَقبَلُ طَبْعَنا مِلءَ التَحويلِ الحَقيقيِّ المَوعودِ للفضيلة.

      

إذنْ، يجِبُ أنْ تَعرِفَ أنَّك اعتَمَدتَ بِتِلك المَعموديَّةِ التي اعتَمَدَ بها في الجَسَدِ رَبُّنا المَسيح. لذلك تَعتَمِدُ باسمِ الآبِ والابنِ والرّوحِ القُدُس، لأنَّ هذا العِمادَ سَبَقَ فرُسِمَ في الواقِعِ بالرموزِ على هذا النَّحو: ألآبُ نادى مِنْ عالٍ وقال: "هذا هُوَ ابني الحَبيبُ الذي بهِ سُرِرت" (متى 7 /3). فأشارَ بِوضوحٍ إلى نِعمَةِ التّبنّي التي منْ أجلِها يَتِمُّ العِماد. فقولهُ: هذا هُوَ ابني الحَبيبُ الذي بهِ سُرِرْتُ، أشْبَهُ بالقول: هذا هُوَ التَّبنِّي الحَقّ. هذا هُوَ الحبيبُ الذي حَسُنَ لي. هذا هُوَ الابنُ. هذا هُوَ الذي أخذ َ ذخيرَة َ البَنين. وهذا العِمادُ أفضَلُ جِدّاً مِن العِمادِ اليَهوديّ. لأنَّ هذا خاضِعٌ لِلتَّغيير. 

 

أمَّا أنا فقُلتُ إنّكُم آلِهة، وَبنو العَليِّ كُلّكُم. ولكِنّكُم تَموتون كونَكُم بَشرا. أمَّا العمادُ، فيَثبُتُ حَقّاً لا يَتَزعزع: مَنْ يأخُذ ذخيرَةَ البَنينَ هذه يَثبُتْ غيرَ مائِت. وَبِمثلِ هذه الرموز، يتحَوَّلُ إلى ذخيرةِ البَنين التي تَتِمُّ في القيامة، ومنها يتحَوَّلُ إلى طبيعةٍ غيرِ قابلةٍ المَوتَ والفساد.

     

 

ولكِنَّ الابنَ بِعِمادِهِ وقُربِهِ إلى الطَبع الذي منهُ أخِذَ وبعلاقتِهِ به، يثبُتُ حقيقة التَّبنّي. والروحُ القُدُسُ أيضاً قدْ نَزَل في شبهِ حَمامةٍ واستقرَّ عليه. فالمَسيحُ إذا قدِ اعتَمَد هُوَ أيضاً باسمِ الآبِ والابنِ والرّوحِ القُدُس.

 

 

 

(العظة الثالثة عن العماد، 23-24).

 

تِوُدُورُوسَ المُبْسُوِسْطِي (+ 428).