لاهوتُ المَسيحِ وناسوتُهُ

القوت اليومي

لاهوتُ المَسيحِ وناسوتُهُ

 

 

 

 

 

 

إنَّ ما تَحْتَقِرُهُ الآن كان قديماً فوقكَ، وما كانَهُ قديماً بَقِيَهُ، واتّخَذ ما لمْ يَكُنْهُ. وُلِدَ ولكِنّهُ كان مَولوداً مُنذ الأزَل، وُلِدَ مِنْ امرَأةٍ، ولكِنّها عَذراء: فثَمَّة لاهوتٌ وناسوتٌ مَعاً، ليسَ لهُ على الأرْضِ أب، ولا لهُ في السَّماءِ أمّ: هذا ما يَخْتَصُّ بِاللّاهوتِ فقط.

 

حَمَلتْهُ أمُّهُ في حَشاها، ولكِن عَرَفهُ النَّبِيُّ وَهُو في حَشا أمِّهِ واهْتَزّ مَسروراً لِمَجيءِ الكلمَةِ خالِقِهِ. لـُفَّ بِالقُمُطِ ولكنّهُ خَرَجَ مِن الكَفنِ عِنْدَ قيامَتِه. أ ُنيمَ في مَعْلفٍ ولكِنْ مَجَّدَتْهُ المَلائِكة، وبَشّرَ بِميلادِهِ نجْمٌ، وَسَجَدَ لهُ مَجوس.

 

لمْ يكنْ لهُ عندَ اليهودِ مَنْظَرٌ ولا جَمال، وكان عِندَ داودَ بَهيّاً أجملَ مِنْ أبناءِ البَشَر، وَسَطَعَ على الجبلِ أكثرَ إشراقاً مِن الشّمْس. واعْتَمَدَ كإنسانٍ ومَحا الخَطايا كإله. جُرِّبَ بِكَونِهِ إنساناً وانْتَصَرَ بِكَونِهِ إلهاً وهو يَدعونا الى الثقةِ لأنّهُ غلبَ العالم.

 

جاع ولكِنّهُ أشبَعَ الجماهير، وهُو خبْزُ السَّماءِ الحَيّ، وَعَطِشَ ولكِنّهُ صاحَ قائِلا: مَن كان عَطشان فليأتِ إليَّ ويَشْرَب، وَوَعَدَ مَنْ يُؤمِنون بِهِ أنّهُمْ يُصْبِحون يَنابيعَ ماءٍ حَيّ... رُفِعَ على عودِ الصَّليبِ وَسُمِّرَ عليه، ولكنّهُ يُعيدُ لنا حَقّنا في شَجَرَةِ الحَياة... أسلمَ نفسَهُ ولهُ السُّلطانُ أنْ يَسْتَعيدَها... يَموتُ ولكِنّهُ يُحْيِي ، وبِمَوتِهِ هَدَمَ المَوت، دُفِن ولكِنّهُ قام.

 

نَزَلَ الى الجَحيمِ ولكِنّهُ أخرَجَ مِنهُ نفوسَ الأبْرارِ وَصَعِدَ إلى السَّماءِ وَسَوفَ يَأتي ليَدين الأحياءَ والأموات... فنسألكُم باسْمِ المَسيح، ونَرجوكُم أنْ تَتَصالحوا مَعَ الله، أو بالأحْرى أنْ يُصالِحَكُمُ المَسيحُ ويُنيرَ الرُّوحُ عُيونَكُم... ونَظلَّ ثابِتين أطهاراً بِدونِ خطيئةٍ الى ظهورِ مَنْ هو مَوضوعُ رَجائِنا، بِالمَسيحِ رَبِّنا الذي لهُ المَجْدُ الى دَهْرِ الدُّهور.

 

 

                                                       (خطاب 29 ، 19-21)

 

القِدِّيس غِريغُورِيُوسَ النَّزْيَنْزِيّ (+390 )