صوت الكلمة وسراج المسيح (تابع)

القوت اليومي

صوت الكلمة وسراج المسيح (تابع)

 

 

 

 

 

 

مِن الصَّعْبِ التّمييزُ بَين الصَّوتِ والعِبارَة: فقدْ ظَنّوا أنَّ يوحَنّا هُوَ المَسيح، وَلمْ يُمَيِّزوا بَين الصَّوتِ وَالكَلِمَة، ولكنَّ الصَّوتَ لمْ يَشَأ أن يَلومَ الكَلِمَة، فاعْتَرَفَ بِما هُوَ عَليه: "لسْتُ المَسيح، قالَ يوحَنّا ولا إيليَّا ولا النّبِيّ".

حينئذٍ سُئِل: مَنْ أنْتَ؟ أنا صَوتُ صارِخٍ في البَرِّيَّة، قوِّموا طَريق الرَّبّ. يَصْرُخُ الصَّوتُ في البَرِّيَّةِ ويَخْرُقُ السُّكوت:  أعِدُّوا طريق الرَّبّ. يَعْني هذا القول: إنّي لا أهْتَزُّ في آذانِكُم إلّا لِأدْخِلَ الرَّبَّ الى قلوبِكُم ولكِنّهُ لا يَأتي إلى قلوبِكُم إلّا إذا هَيَّأتُمْ لهُ طَريقاً.

 

بِأيِّ مَعْنىً؟ إذا اسْتَدْعَتْهُ صَلاتُكُمُ الحارَّة. وبِأيِّ مَعْنىً أيْضاً؟ إذا كانَتْ أفكارُكُم مُتواضِعَة. إتّخِذوا يوحَنّا لكُمْ مَثلا: يُظَنُّ بِهِ إنّهُ المَسيح، وهُوَ يُؤكّدُ: "إنّي لسْتُ مَنْ تَظـُـنّون". لا يَقبَلُ خَطأ الآخرين لِيَغْتَنِمَ مَجْداً.

 

بِعَقلٍ واعٍ  يَعْتَرِفُ مِنْ أين يَأتيهِ الخَلاص. فهِمَ أنّهُ هُوَ السِّراج،  وَيَخافُ أنْ يَنْطَفِىءَ بِريحِ الكِبْرياء. بِقصْدٍ مِنْ إرادَةِ اللهِ كان الإنسانُ المُرسَلُ لِيَشْهَدَ لِلمَسيحِ عَظيماً في النّعمَةِ حتّى يُظَنَّ أنّهُ المَسيح. "ألحَقّ أقولُ لكُم، لمْ يَقُمْ في مَواليدِ النّساء، يَقولُ المَسيح، أعْظمُ مِنْ يوحَنّا المَعْمَدان".

 

إن لمْ يَكُنْ  بَين البَشَرِ مَنْ يَفوقُ هذا الرَّجُل، فالذي يَفوقُهُ هُوَ أعْظَمُ مِن البَشَر. شَهادَةٌ عَظيمَة ٌ يُعْطيها المَسيحُ عَنْ نَفسِهِ... النّظرُ المَريضُ يَتَحامَى نورَ النّهار، ولا يَتَحَمَّلُ إلّا ضَوءَ السِّراج. والنّهارُ المُشرِقُ يُبَشّرُ السِّراجُ بِقُدُومِه.

 

والنّورُ هَلَّ لِلقلوبِ المُخلِصَة، لِيُخْزِيَ الأشْرار. هَيَّأتُ لِمَسيحي سِراجاً، يَقولُ صاحِبُ المَزامير. فإلى المُخَلّص، يوحَنّا هُوَ المُنادي. ولِلدَّيَّانِ الآتي يوحَنّا هُوَ السَّابِق. ولِلعَروسِ المُنْتَظَر، يوحَنّا هُوَ الصِّديق.

 

 

 

القِدِّيسِ أغوسطينوس (+ 430)