شوق النّفس إلى أورشليم العلويّة

القوت اليومي

شوق النّفس إلى أورشليم العلويّة

 

 

 

 

 

ما أكثر ما يحبك قلبي يا مدينة الرّب المقدّسة

وما أعظم ما تتوق نفسي إلى مجدك السّني

يا عروس يسوع، يا أورشليم العلويّة.

ما أبهي زينتك،

كلّك جميلة وليس فيك عيب.

 

إفرحي يا بنت الملك وتنعّمي

لأن الملك اشتهى حسنك

والأجمل من جميع بني البشر أحبَّ جمالك.

لكن من هو حبيبك الذي شغفتِ به؟

حبيبي أشدّ بياضًا من الزّنبق

وأكثر أحمرارًا من الورد

منتخَبٌ بين ربوات.

 

حبيبي جميلٌ بين الشّبان

كالتّفاح بين أشجار الحقل

هاءنذا جالسٌ بفرح في ظّله

الذي اشتاقت إليه نفًسي

وثماره لذيذةٌ في حلقي.

 

حبيبي بسط لي يمينه

فشعرت بقلبي قد خُطِفَ منّي

سعيدةٌ هي نفسي إذا استحقّت

أن تتأمّل في مجدك وبهائك

وفي ملكك القويّ مجده وعظمته

لأنّ اسوارك مصنوعة من حجار ثمينة

وأبوابك من جواهر مختارة

وبلاطك من ذهب نقيّ

وفي ساحاتك تُسمَعُ تراتيل الابتهاج على الدّوام.

 

ما أجملك يا أوشليم الأمّ الجليلة

وما أشهى ملذّاتك غير المنتاهية

وليس فيك شيء مما نتكبّده نحن

في وادي الدّموع هذا

وبيوتك لا يدخلها نجسٌ

لا ليل فيك ولا ظلام

 

ولا شيء من تقلب الأزمنة

ولا تحتاجين إلى القمر

ولا إلى الكواكب لتنير فيك

لأنّ شمس العدل

الذي هو إله من إله ونور من نور أضاء فيك

ومصباحك هو الحمل البريء من العيب

وكلّ ضيائك قائمٌ في مشاهدتك ملكك

الكلّي الشّرف والجلال

المستوي على عرشه في وسطلك.

 

هو ملك الملوك وخدّامه يحيطون بك

هناك صفّ الملائكة الذين يرتّلون بالتّسابيح

هناك يُزَفّ ربّ الصباؤوت بنغمات التّعظيم

جميع الذين يلجون فرحك

بانجازهم سحابة هذه الغربة المرّة.

 

هناك ينتظم صفٌ الأنبياء المقدّس

ورسل الرّب المباركون والشّهداء القدّيسون

الذين لايحصى عديدهم

هناك مستقرّ جمهور المعترفين المقدّس

وجماعة الرّهبان الحقيقين الكاملين

والنّساك المتوحّدين.

 

هناك تتمتّع النّسوة اللواتي غلبن لذّات العالم

وعلون على ضعف طبعهنَّ

هناك يبتهج سرمدَّا الشبّان والشّابات

الذين جازوا سنيّ صبائهم بالأفعال الصّالحة

والخصال الحميدة.

 

هناك ترتاح النعاج النّقية والحملان الوديعة

التي نجت من مكامن هذا العالم الخدّاع

متنعمةً بملء السّعادة.

يقينًا إن المجد هناك ليس سواءً للجميع

إنّما البهجة والسّرور يشملان الكلّ.

 

هناك في الأعالي

يستولي الحبّ الكامل الحقيقي على القلوب

لأن الله كلّه في كلّ منهم

وهم يعاينونه على الدّوام

وعند نظرهم إليه

يضطّرمون دائما بمحبتّه اللّذيذة

فيحبّونه باتّصال ويباركونه بغير فتور

وكلّ أعمالهم قائمة في التّسبيح له

بلا انقطاع ولا كلل ولا تعب.

 

طوبي لي أيضًا لأنّي سأكون سعيدًا إلى الأبد

إذا استأهلت بعد انحلال جسدي الواهي

أن أستمتع بتلك التّراتيل العذبة

المملوءة نغمات لذيذة سماويّة

لا يزال يرنم بها أهل  المدينة العلويّة

وعساكر الورعين مديحًا للملك الأزلي .

 

طوبي لي إذا استطعت أن أرنّم بتلك التّراتيل

وأعاين ملكي والهي وفاديّ جالسًا في مجده

بحسب وعده قائلاً لأبيه:

الذين اعطيتني

أريد أن يكونوا معي حيث أكون

ليروا المجد الذي أعطينيه قبل إنشاء العالم "

وأيضاً : "من يخدمني يتبعني ،

وحيث أكون أنا هناك يكون خادمي"

وأيضاً: من يحبني يحبّه أبي وأنا أحبه

وأظهر له ذاتي".

 

فأهّلني بنعمتك لأن أدخل مدينتك العلويّة

واكون بين مختاريك

وأرنم لعزّتك في فردوسك مع قدّيسيك

يا إلهي وربّي وخالقي اللّذيذ. آمين.

 

"القدّيس اوغسطينس"