روحانيّة القدّيس أنطونيوس

القوت اليومي

روحانيّة القدّيس أنطونيوس




ألصورةُ الشّامِلة التي تبقى لنا مِن القدّيسِ أنطونيوس، هيَ تَدَرُّجُهُ في الكمال، تطوُّرُ اختِبارِهِ الرُّوحيّ، تَعمُّقُهُ المُتزايِد، يوماً بعدَ يوم، وسنة ً بعدَ سنة، في التَّعرُّفِ على المسيحِ والاتّحادِ به.


تابَعَ أنطونيوسُ هدَفَ دعوَتِهِ مِن البدايَةِ حتّى النهايَة، ولمْ يُشِحْ بنظرِهِ مرَّةً عَنْ هذا الهدف. شَقَّ طريقَ اختيارِ الحياةِ الرُّهبانيَّةِ بِعيشِهِ حسَبَ مَنطِقِ دَعوَتِه: حيَويَّة ٌ داخليَّة، نشاط ٌ روحيٌّ مُوَحَّدٌ ومُتواصل، وَعيٌ دائِمٌ للمَسيحِ الذي مِنْ أجلِهِ ترَكَ كُلَّ شيءٍ، تدريجيّاً.


      

هذا هُوَ النّظامُ الذي سيَّرَ حياة أبِ الرُّهبانِ والنّسَّاك. لم يَكُنْ لهُ قانونٌ يَسيرُ عليه، ولمْ يَسُنَّ هُوَ قانوناً للرُّهبانِ بعدَهُ. بَقيَ اختِبارُهُ الصَّافي أروَعَ نِظامٍ وقانون، لِكُلِّ نفسٍ أحبَّتْ أنْ تَسلـُـكَ السِّيرَة الرُّهبانيَّة.

      

إذاً نحنُ لمْ نتَشَبَّهْ بِمِثلِ هذا الاختِبارِ الباطِنيّ، ولمْ نشعُرْ بِمثلِ هذهِ الحَيويَّةِ الرُّوحيّة، ولمْ نُحِسَّ بنوع ٍ مِن التدَرُّجِ في معرِفةِ الله، فعبثاً نسيرُ وَفقَ نِظامٍ خارِجيّ، وعبثاً نعمَلُ على صياغةِ قوانين جديدَة. ألنُّظمُ والقوانينُ والنذورُ الرُّهبانيّة، تنبثِقُ عن هذهِ الحيويّة، وتَجربَتُها الكُبرى: أنْ تُصبِحَ، معَ الزّمن، تَجميداً لهذهِ الحيويّة، إطاراً خارِجيّاً لها، لا تعبيراً حيّاً عنها.

(في روحانيّة القدّيس أنطونيوس)