العَذراءُ مريمُ أرضُ الله

القوت اليومي

العَذراءُ مريمُ أرضُ الله

 

 

 

 

 

 

ما مِنْ أحَدٍ تَمَكّن أن يَقتَرِبَ مِن اللهِ أكثرَ مِن الطوباويَّةِ ذاتِ السُّمُوِّ العَذراءِ مريم... أيُّ شَيءٍ أطهَر؟ وأيُّ شيءٍ أشَدُّ بَراءَة؟ لقد أ ُولِعَ اللهُ بها، وهُوَ النّورُ الفائِقُ الطـُّهر، حتّى أنّهُ اتَّحَدَ جَوهَريّاً بِحُلولِ الرّوحِ القُدُسِ واتّلدَ مِنها إنساناً كامِلاً مُحتَفِظاً بِطَبيعَتِهِ الخاصَّةِ غيرِ المُتَبَدِّلةِ وغيرِ القابلةِ المَزيج. يا لِلعَجَب!

 

بِحُبِّهِ الفائِقِ للبَشَر، لم يَخجَلِ اللهُ مِنْ أنْ يأخُذ َ أمّاً لهُ، مَنْ كانتْ أمَة ً لهُ. يا لِلتّنازُل! في حِلمِهِ غيرِ المُتناهي، لمْ يتَرَدَّدْ مِن أنْ يَصيرَ ابناً للتّي هُوَ كَوَّنَها. كان مُولعاً حَقّاً بالتي هيَ ألطَفُ خلائِقِه، واستَولى على التي كانتْ أرفعَ مِنْ كُلِّ قُوَّاتِ السَّماء. وَبِحَق ٍّ تُطَبَّقُ عليها كلماتُ النّبِيِّ زكريّا: "رنّمي وابتَهِجي يا بِنتَ صِهيون، فها أنذا آتي وأسكُنُ في وَسَطِكِ، يَقولُ الرَّبّ". وإليها أيضاً يتوَجَّهُ على ما يَبدو لي الطوباويُّ يوئيل، عِندَما يَصرُخ ُ قائِلا ً: "لا تَخافي أيَّتُها الأرض، ابتَهِجي وافرَحي، فإنَّ الرَّبَّ قد تَعاظَمَ في عَمَلِهِ".

 

لأنَّ مَريَمَ هي أرض: الأرضُ التي عليها رَجُلُ اللهِ موسى أ ُعطِيَ الأمرَ بأنْ يَخلعَ نَعليْهِ، رَمزا ً إلى الشَريعَةِ التي سَتَحِلُّ مَحَلّها النّعمَة. الأرضُ التي عليها استَقرَّ بالرّوحِ القُدُسِ ذاكَ الذي نَتَرنّمُ بهِ "إنّهُ المُؤسِّسُ الأرضَ على قواعِدِها". الأرضُ التي تُؤتي الثـَّمَرَ الذي يُعطي كُلَّ كائِنٍ طَعامَهُ. وهيَ لمْ تُزْرَعْ. الأرضُ التي لم تُنبِتْ شَوكة الخَطيئةِ بل أعطَتِ النّورَ الذي اقتلعَ الخَطيئة مِنْ أصلِها.

      

وأخيرا ً هي الأرضُ التي ليسَتْ تحتَ اللّعنةِ مِثلَ الأولى المَملوءَةِ شَوكاً وحَسَكاً، بل تَستَقِرُّ عليها بركة ُ الرَّبّ، وتَحمِلُ في أحشائِها ثمَرَةً مُبارَكة، كما يَقولُ الكِتابُ المُقدَّس... فابتَهِجي يا مَسكِن السَّيِّد، أيَّتُها الأرضُ التي داسَها بِقدَمَيهِ. أنتِ التي حَمَلتِ في جَسَدِكِ مَنْ تَفوقُ أ ُلوهَتُهُ كُلَّ مكان. ألبَسيط ُ اتّخَذَ مِنكِ طَبيعَة الإنسانِ المُرَكّبَة، الأزليُّ دخَلَ في الزّمَن، واللامُتناهي في المَحدود. إبتَهِجي، يا مَسكِن الله، يا مَن تَسْطَعين بِبَهاءِ الألوهة... "إفرَحي يا مُمتلِئة نعمَة". إنَّ عَمَلكِ واسْمَكِ يَسمُوانِ كُلَّ فرح.

      

منكِ أتى إلى العالمِ الفرَحُ الدّائِم، المَسيحُ، دَواءً لأحزانِ البَشر. تَهلّلي، أيَّتُها الفِرْدَوسُ أكثرُ سَعادَةً مِنْ جَنّةِ عَدْنٍ، حيث ُ نَبَتَتْ كُلُّ فضيلةٍ ونَمَتْ شَجرَة ُ الحياة.

 

 

 

 

 

القدِّيس تِودُوروس السْتـُودِيتي (+826).