العاصِفَة

القوت اليومي

العاصِفَة

 

 

 

 

 

قراءةٌ مِنَ القديس أغوسطينوس (+ 430)

 

 

العاصِفَة

 

   إلى جانبِ بيتنا بُستانٌ صغيرٌ نتصرّفُ بهِ كبيتِنا، لأنَّ صاحِبَ البيتِ لمْ يَكُنْ فيه. فَذّهَبتُ إلى ذلِكَ البُستانِ تحْتَ تأثيرِ العاصِفةِ التي عَصَفتْ بِقلبي، دون أنْ يَقوى أحَدٌ على تَهْدِئتِها. وَحْدَكَ، يا رَبّ، تجْعَلُ حَدّاً لذاك الاضطراب. أمَّا أنا فقدْ كُنتُ أجهَلُهُ. بيدَ أنّي كُنتُ أسيرُ إلى الشِّفاءِ وأموتُ عَنِ الحَياة، مُدْرِكاً ما كُنتُ عليهِ مِنْ إثم، جاهلاً ما سأصيرُ إليهِ مِنْ صلاحٍ قريب.

 

   إنفرَدْتُ في الحَديقةِ وجَلسْتُ في مكانٍ بعيد، ليسَ أقصى مِنهُ عَنِ البيت، أرتَجِفُ بِشِدَّةٍ، غضباً، لِكوني لمْ أقبلْ مَشيئتكَ وميثاقكَ يا إلهي، ولا لَبيّتُ نِداءَ عظامي اللحميَّةِ الرافِعَةِ إلى السَّماء تَسابيحَك. وما كُنتُ بِحاجَةٍ، تَلْبية ً لِتِلكَ الدَعْوة، لا إلى سفينةٍ  ولا إلى عَرَبَةٍ ولا إلى تلكَ المَسافةِ الوَجيزَةِ التي تَفْصِلُنا عَنِ البَيْت. وُصولي إليكَ رَهْنُ إرادَتي، إرادَتي القويَّة الصَلبة، المُتَغَلِّبةِ على الإرادَةِ الجَريح، المُتقلّبَةِ هنا وهناك، المُنهَزِمَة هنا والمُنتصِرَةِ هُناك.

 

أنا ذاتي، قبلَ دُخولي في خِدْمَةِ الرَّبِّ إلهي، كُنتُ في تفكيري وتأمُّلي، أريدُ ولا أُريد: أنا، أنا، نعم أنا. ما قبِلْتُ قبولاً تاماً ولا رَفضْتُ رَفضاً باتاً، فثارَتْ في باطني المَعارِكُ وانقسَمْتُ، مُكرَهًا،على ذاتي.

وكان انقسامي هذا شاهِدًا لآلامي، دون أنْ يَدُلَّ على وُجودِ نفسٍ غريبةٍ فيَّ. عِنادي هو ثمَرَةُ الخَطيئةِ الساكِنةِ فيَّ.  أجَل، لقد كان ثَمَرَةً مُرَّةً لِخَطيئةٍ ارتكبْتُها حُرّا، مُختاراً، لأنّي بَشَر.

 

 

 

 (اعترافات، 8)