الصليب حكمة الله وقدرته

القوت اليومي

الصليب حكمة الله وقدرته

 

مع هذا الاحد يبدأ زمن الصليب، وتبدأ فيه المرحلة الثالثة والنهائيّة من تاريخ الخلاص المعروف بتاريخ ملكوت الله، وهي مرحلة الأخيرة من السنة الطقسيّة، وتكشف لنا مرحلة ما بعد الموت ونهاية العالم والحياة الأبديّة، وهي المرحلة المعروفة "بالواقعات الجديدة"، أي موت الانسان، والدينونة الخاصّة بكلّ شخص، ومصير كلّ واحد الذي يتنوّع بين الخلاص والسعادة الأبديّة في السماء، وحالة المطهر التكفيريّة، والهلاك الأبديّ في جهنّم، ويظهر المصير الأخير للعالم وفيه مجيء السيّد المسيح الديّان وتحصل فيه قيامة الاموات، والدينونة العظمى، ونهاية العالم، ويكتمل ملكوت الله الأبديّ.

يرقى عيد ارتفاع الصليب إلى سنة 330 بعد انتصار الملك قسطنطين الكبير على مكسنسيوس في روما، والذي استعان بالمسيحيّين، نتيجة صلاة أمّه هيلانه، وفي ضوء انتصاره ظهرت له علامة الصليب في الجوّ، مع الكتابة: "بهذه العلامة تنتصر".

زارت هيلانه الملكة الأراضي المقدّسة واكتشفت خشبة الصليب سنة 326، وأخذت قسمًا منها لابنها قسطنطين وشيّدت كنائس ثلاث: الأولى فوق قبر المسيح،

والثانية في مكان صعود المخلّص، والثالثة فوق مغارة بيت لحم. بعد انتصار قسطنطين على خصومه، أصدر مرسوم ميلانو سنة 313، والذي سمح بموجبه للمسيحيين بممارسة شعائرهم الدينيّة، ولاحقًا وقبيل وفاته قبل المعمودية في كابلّة المعموديّة على مقربة من بازيليك اللاتران في روما.

جدّدت الاحتفالات بعيد ارتفاع الصليب بعد طول انقطاع ايام الامبراطور هرقل، بعد انتصاره على الفرس واستعادته لذخيرة عود الصليب سنة 628، التي استولى عليها ملك الفرس، أثناء غزوه أورشليم وأسره آلاف المسيحيين وفي مقدمتهم ، البطريرك الاورشليمي زكريّا.

إنّ عيد الصليب هو دعوة إلى الرجاء، فعلامة الانتصار على قوى الشرّ هي مبعث للنور في ظلمات الحياة، وقوّة خلاص وفداء لمن يحملون الصليب، وهو إعلان حب الله للعالم والخلاص بيسوع المسيح وحده.

يشكّل زمن الصليب على الصعيد الطقسي، مرحلة اكتمال ملكوت الله. والتي تمرّ عبر مراحل ثلاث: الأولى تحضيريّة لمجيء السيّد المسيح، في العهد القديم؛ والثانية تنفيذيّة مع عمّانوئيل "إلهنا معنا"، ابن الله الذي صار إنسانًا، وأعلن للناس إنجيل الحياة، وافتداهم بذبيحته على الصليب، وبعث فيهم الحياة الالهيّة بقيامته وحلول الروح القدس، وأسّس الكنيسة، كزرع الملكوت وبدايته، وسلّمها الانجيل والأسرار كوسائل دخول ملكوت الله، والتي تهتم بتوزيع الكلمة والاسرار وخدمة المحبّة.

إنّ زمن الصليب يضعنا أمام بعدين: البُعد الأوّل تاريخيّ وهو ارتفاع يسوع على خشبة الصليب فداءً عن الجنس البشريّ باسره، وهو المخلّص الوحيد والشامل لجميع الشعوب؛ والبُعد الثاني هو بُعدٌ نهيويّ إسكاتولوجيّ، ويعني صعوده بالمجد إلى السماء مجتذبًا جميع الأبرار الذين سبقوه وجميع الناس الذين أحبّوه. ويبقى يسوع  في الحالتين كاهن الفداء والشفيع الاعظم.

ولهذا اعتبرت المرحلة الأخيرة من السنة الطقسيّة، المعروفة بزمن الصليب ، مرحلة النهائيات: نهاية الأزمنة، وقيامة الموتى، ومجيء الربّ الثاني في نهاية الأزمنة (باروزيّا)، وقيامة الموتى والدينونة الاخيرة والثواب والعقاب الأبديين (إسكاتولوجيا).

الاب جان مارون الهاشم