إطعامُ الجياعِ ومُؤاساة ُ المُحتاجين

القوت اليومي

إطعامُ الجياعِ ومُؤاساة ُ المُحتاجين

 

 

 

 

قراءةٌ من القدِّيس يوحنّا فمِ الذهب (+407).

 

 

 

 

إطعامُ الجياعِ ومُؤاساة ُ المُحتاجين

      

 

تأمَّلوا أيُّها الذين يتنَعَّمون، وَيُنفِقون أموالَهُم في الأطعِمَةِ اللذيذةِ والأشرِبَةِ المُسكِرَةِ والمَلابِسِ الفاخِرة، وَجُمْلة ً في ما لا حاجَة َ إليهِ لِقيامِ الحياة، وإخوَتُهُم شُركاؤهُم في أخوَّةِ المَسيحِ يَموتون مِن الجوعِ والعَطش، يَنقصُهُم مُمْسِكُ الرَّمَق. إنَّ الذي جُعِلَ في أيدينا ليسَ لنا وَحدَنا، بل لنا ولِلمُعْوِزين على السَّواء.

 

فكما نَستَعمِلـُهُ لِسَدِّ حاجاتِنا، كذلِكَ يَجِبُ علينا أنْ نُمِدَّ منهُ المُحتاجين بِما يَسُدُّ حاجاتِهِم، ولا نَخُصُّ بِهِ أنفُسَنا وحَسب. ما أجدَرَنا بأنْ نَنصاع َ لِقَولِ الرّسول، وقدْ نَطَقَ على لِسانِهِ روحُ مُرْسِلِه، قال: لا يَطلبَنَّ أحَدٌ ما يُوافِقُهُ، بَلْ ليَطلبْ كُلُّ واحِدٍ ما يُوافِقُ قريبَهُ ايضا.

      

إنَّ الله قدْ جَعَلَ لِلخلاصِ طرائِقَ عِدَّة، ولمْ يَحصُرْ جَميعَ الفضائِلِ في ما لهُ علاقة ٌ بِنا وَحَسب، بلْ جَعَلَ فينا ما يَستَقِرُّ كالصَومِ والصلاةِ والعِفّة، وما يَسري مِنّا إلى غيرِنا كالصَدَقةِ والتّعليمِ والمَحبّة. فإنَّ هذهِ تَنفعُنا وتنفعُ الذين سَرَتْ مِنّا إليهِم. ولا ريبَ أنَّ هذهِ الفضائِلَ الناظِرَة إلى القريبِ مَبنيَّةٌ على المَحبَّة.

 

وهيَ مِنْ خَصائِصِ تلميذِ المَسيح، بِها يُعْرَفُ أنَّهُ تلميذهُ، كما قالَ، لهُ المَجد: بهذا يعرِفُ النّاسُ أنّكُم أحِبَّائي، إذا أحبَبتُمْ بَعضُكُم بَعضا. قالَ بولسُ التلميذ ُ الحَقّ: لو أطعَمتُ المَساكين جَميعَ أموالي وأسلمتُ جَسَدي ليُحرَق، ولمْ تَكُنْ فيَّ المَحَبَّة، فلستُ بِشَيء. فهذه غايَة ٌ عَظيمَة. وأعظَمُ منها القول: لو بَذلَ الإنسانُ دَمَهُ في الشهادَة، وآخرُ لمْ يُقدِمْ عليها، وآثرَ عليها خيرَ القريب، لكان مِن الرابِحين.

      

فالصدَقةُ عَظيمَةٌٌ جِدّا، لأنَّ مَعَها الصَومَ يُقبَل. قالَ النّبيّ: إنَّ مِثلَ هذا الصومِ يُرضي الله. ومَعَهُ تَصعَدُ الصلاة. لأنَّ الكِتابَ يَقول: إنَّ صلواتِكَ وصَدقاتِكَ قدْ صَعِدَتْ ذَكراً لك قُدّامَ الله.

 

 

(العظة 31).