إختيارٌ بينَ خِدْمَتين

القوت اليومي

إختيارٌ بينَ خِدْمَتين

 

 

 

 

 

 

 إنْ كُنْتَ عِلمانِيّاً فَتَدَبَّرْ بالسِيرَةِ الحَسَنَةِ لِلعِلْمانِيِّين، أو راهِباً فَتَدَبَّرْ بالأعْمالِ الفاضِلَةِ التي لِلمُتَوَحِّدين. وإنْ حاوَلْتَ أنْ تَسيرَ في التَّدبيرَينِ مَعاً، التَّدبيرِ الدُّنيَويِّ  والتَّدبيرِ الرُّهْبانيّ، أخْفَقْتَ في كِليهِما. لأنَّ عَمَلَ الرَّاهِبِ هُوَ العَتْقُ مِنْ مَلَقِ المَحْسوساتِ والأمورِ العالَمِيَّة، والإخْباتِ إلى الله، وَلَهَجِ القلْبِ بِهِ، وَتَعَبِ الجَسَدِ بالصَّلاة.

 

  أفَيُمْكِنُكَ أنْ تَقْرِنَ بِهذا حَياةَ العالَمِ وَشَواغِلَهُ ؟ إنَّهُ لَمُسْتَحيلٌ طَبْعاً. كذلِكَ يَسْتَحيلُ على الرَّاهِبِ أنْ يَحْيا حَياةَ الفَضيلةِ وَهُوَ مُتَّصِلٌ بالعالَم، أي أنْ يُنْصِفَ بالتَّدبيرَينِ مَعاً.

  

وَنَرى أنَّ الذينَ يَخْدُمونَ المُلوكَ هُمْ أعْلى مَكانَةً بِقِيامِهِمْ أمامَ المَلِكِ مِنَ الذينَ يُنَفِّذونَ أوامِرَ المَلِكِ في الخارِج. كذلِكَ في الأمورِ الإلهِيَّة، نَرى أنَّ الذينَ يُديمونَ التَأمُّلَ في اللهِ بالصَّلاةِ يُحْرِزونَ الدَّالةَ عليه، وقدْ سَلَّطَهُمْ على ثَرْوَتِهِ السَّماوِيَّةِ والأرْضِيَّة، ونالَهُم سُلطاناً على الخَليقةِ كُلِّها، حَتّى لَيَخْضَعُ لَهُمُ الكُلُّ بإجْلالٍ وَكرامَة. إنَّهُمْ لأفْضَلُ مِنَ الذينَ يَخْدُمونَهُ بِصَنيعِ البِرِّ لإخْوَتِهِم، وَهُمْ مِثْلُهُم عَبيد، على كَونِهِ صَنيعاً حَسَناً جِدّاً، بَيْدَ أنَّهُ أنْقصُ مِنْ خِدْمَتِهِ المُباشَرَةِ بالصَّلاةِ والتَأمُّل.

 

  فإذا خُيِّرْنا فلا نَخْتارُ الدَّرَجَةَ الدُّنيا، بَلْ دَرَجَةَ النُّشَطاءِ الحاذِقين، أصحابِ سيرَةِ الهُدوءِ والصَّلاة، وقدْ رَفَضوا الأرْضِيَّات، وصاروا جُنْداً لِلْمَلِكِ السَّماويّ، وَهُم على الأرْض. نَبَذوا الأرْضِيَّاتِ وَرَفَعوا أيْدِيَهُمْ إلى السَّماء.

 

 

 

 

 

مارِ اسْحَقَ السُّريانيّ (أواخر القرن السابع)