إختبارُ أنطونيوسَ في الصحراء حوّلها إلى جنّة غنّاء

القوت اليومي

إختبارُ أنطونيوسَ في الصحراء حوّلها إلى جنّة غنّاء

 

 

يا أبنائي الأحبَّاء.

      

 

ها إنّكُم توفّـِرون لأبيكُمُ التّعزيَة الشّافيَة عن آلامِهِ المُبَرِّحة، وعذاباتِهِ المُتواصِلةِ على أكثرَ مِنْ أربعين سنة ً؛ فيفرَحُ بكم، إذ يرى نِتاجَ جِهادِهِ المَريرِ وكِفاحِهِ العنيدِ في هذهِ البرِّيَّةِ الفسيحَة، التي انتزعها من الشّيطانِ قاحِلة ً جَدبة ً، فزرعَها بصلواتِهِ وأصوامِهِ، وسقاها بِدُموعِهِ ودِمائِه، وأخصبَها بتأمُّلاتِهِ واستغراقِهِ، ورعاها بِعينِهِ وقلبِهِ، ليلا ً نهاراً، دافِعاً عنها هيجَ السُّموم، وعيث َ الشرِّير.

 

حتّى كسَتْها خُضرَةُ الأمل، فنما زَرعُها، وبرعَمَتْ أماليدُها، وتَفتّحتْ أزاهيرُها، وأينعَتْ ثِمارُها، فانتشَرَ عَرفُها، وعمَّ خيرُها. فقدَّمَها جَنّة ً غَنّاءَ وبُستاناً ناضِجاً إلى سيِّدِهِ يسوع. وكان لهُ بِكُم فرَحُ الغِبطةِ وراحة ُ الطمأنينة. فاسمعوا لهُ يُفِدْكُمْ مِنِ اختبارِهِ الطويل، كما عزّيتُمُوهُ في آخِرِ حياتِه. فنتعاوَنُ معاً في إكمالِ هذا الصَّرحِ الذي أنشأناهُ معاً.

 

إذ كُلّنا حِجارتُهُ نتماسَكُ حجراً حجراً، ونَصعَدُ مداميكَ مداميك، مُتساندين بعونِ اللهِ وعِنايَتِهِ. كُلُّ واحِدٍ مِنّا حجرٌ لهُ مكانُهُ في صرحِ الرّوحانيّةِ هذا. ولا يَهولنّكُم تَفرُّقُكُمْ في المغاوِرِ والكهوف، والأخرِبَةِ والأطلال، المَنتشِرَةِ في هذهِ الجبالِ والأوديَةِ والسُّهول؛ فالإنسانُ يعبُدُ اللهَ بالرُّوحِ والحَقّ.

 

كما يشاءُ، وحيث يَهُبُّ الرُّوحُ المُرشِدُ إلى الحَقّ. ووحدَتُكُمْ قائِمَة ٌ بالرُّوح، تُعزّزُها الصَّلواتُ المُوّحَّدَةُ الهدَف، والأدعيَة ُ المُتبادَلة، وهذهِ الاجتِماعاتُ الدّوريّة ُ نتبادَلُ فيها ثِمارَ الاختبارِ ونِتاجَ التّجارِب.

 

من كتابِ "كوكب البرِّيَّة" ، لفؤاد أفرام البستانيّ