يَكفيكَ لِتَقواكَ أنْ تَعْرِف ، كما قُلنا ، أنَّ للهِ ابْناً واحِدا ، وُلِدَ بِحَسَبِ الطـَّبيعَة. إنَّهُ لم يَبْدَأ كيانَهُ عِندَما وُلِدَ في بَيْتَ لَحْم ، بل هُوَ كائِنٌ قبلَ كُلِّ الدُّهور، إسْمَعْ ما يَقولُ النَّبيُّ ميخا : "وأنْتِ يا بَيْتَ لَحْم، بَيْتَ أفْراتَة ، إنـَّكِ لَسْتِ الصَّغيرَةَ في وِلاياتِ يَهوذا ، فمِنكِ يَخْرُجُ والٍ يَرْعَى شَعْبي إسرائيلَ وَمخارِجُهُ مُنذ القديم، مُنذ أيَّامِ الأزَل"، لا تَتَعَلّقْ إذنْ بِالمَولُودِ الآنَ في بَيْتَ لَحْم، بَلِ اعْبُدِ المَولودَ أزَليّاً مِنَ الآب.
لا تَسْمَعْ لِلّذي يَتَكَلّمُ في البَدْءِ الزَّمَنيّ، بَلِ اعْتَرِفْ أنَّ الآبَ أزَلِيٌ لا زَمَنَ لَهُ . لِأنَّ مَبْدَأ الابْنِ هُوَ الآبُ الأزَليّ، غَيْرُ المُدْرَك، الذي لا يَرْأسُهُ أحَد. فيَنْبوعُ نَهْرِ العَدْل ، يَنبُوعُ الابْنِ الوَحيد، هُوَ الآبُ الذي وَلَدَهُ وَيَعْرِفُهُ هُوَ وَحْدَهُ. وَهَلْ تُريدُ أنْ تَعْرِفَ أنَّ رَبَّنا يَسوعَ المَسيحَ هُوَ مَلِكٌ أزَليّ، إسْمَعْهُ يَقول : "إبْتَهَجَ أبوكُم إبراهيمُ على رَجاءِ أنْ يَرى يَومي ورَآهُ ففرِحَ".
ولمَّا اسْتَصْعَبَ اليَهودُ قبولَ كَلامِه ، قالَ لهُمْ ما هُوَ أصْعَـب: "قبلَ أنْ يَكونَ إبراهيمُ أنا كائِن" وقالَ في مَوضِعٍ آخَر، مُحَدِّثا الآب: "فمَجِّدْني الآنَ يا أبَتِ بِما كانَ لي مِنَ المَجْدِ عِنْدَكَ قبلَ أنْ يَكونَ العالَم". قالَ بِحِكْمَة : "قبلَ أنْ يَكونَ العالَمُ كانَ لي مِنَ المَجْدِ عِنْدَك". وقالَ أيْضاً بَعْدَ ذلِك : "لأنَّكَ أحْبَبْتَني قبْلَ إنْشاءِ العالَم". إنَّهُ يَقولُ بِوُضـوح : "لي مَجْدٌ أزَليٌّ عِنْدَكَ.
القِدِّيسِ كِيرِلـُّسَ الأورَشْليميّ (+387)