ألمَسيحُ غِذاؤنا

القوت اليومي

ألمَسيحُ غِذاؤنا

 

 

 

 

 

 

مَنْ يُذيعُ عَظَائِمَ الرَّبِّ وَيَنْطِقُ بِمَدائِحِهِ ؟ أيُّ راعٍ قاتَ خِرافَهُ مِنْ جَسَدِهِ مَرَّة ؟ وما بالي أقول : راعٍ ؟ إنَّ مِنَ الأمَّهاتِ مَنْ يَتْرُكْنَ أولادَهُنَّ لِلمُرْضِعات، مُنْذُ الوِلادَة. لكِنَّ يَسوعَ المَسيحَ لا يَحْتَمِلُ هذا الأمْر، فَغَذّانا بِدَمِهِ نَفْسِهِ، وَوَحَّدَنا على نَحْوٍ ما.

       

تَأمَّلوا، إخْوَتي، أنَّ المَسيحَ وُلِدَ مِنْ طَبيعَتِنا إيّاها. قدْ تَقولونَ إنَّ هذا لا يَشْمَلُ جَميعَ البَشَر. بلى ! أنا أقصِدُ، أكيداً، كُلَّ البَشَر. فإذا جاءَ يَتَّخِذُ طَبيعَتَنا فَحَقّاً يَعني البَشَرَ كافَّة. وإذا كانَ قد جاءَ مِنْ أجْلِ الجَميع، فقد أتى أيضاً مِنْ أجْلِ كُلِّ واحِدٍ وَحْدَهُ.

 

إذنْ لِمَ تَقولون : لمْ يَنَلِ الجَميعُ الثّمَرَةَ المَرْجُوَّةَ من ذلكَ المَجيء ؟ لا يَجِبُ أنْ نُتْهِمَ مَنْ يَتَمَنّى ذلكَ لِلجَميع، بلْ على الذينَ يَرْفُضونَ قُبولَهُ يَقَعُ الإتْهام. إذْ إنَّ يَسوعَ في أسرارِهِ يَتَّحِدُ بِكُلٍّ مِنَ المُؤمِنينَ بِهِ، يُجَدِّدُ خَلْقهُمْ، يَقوتُهُمْ مِنْ ذاتِهِ، لا يَتْرُكُهُمْ على هَمِّ غَيْرِهِمْ. فَيُقْنِعُهُم مَرَّةً أخْرى بأنَّهُ أخَذَ جَسَدَنا.

       

لا يَجِبُ أنْ نَظَلَّ غَيْرَ مُبالين، وَقدْ قبِلْنا علاماتِ شَرَفٍ ولا أعْظَم، وَمَحَبَّةٍ ولا أكْبَر. هلْ رأيتُم بأيَّةِ لَهْفَةٍ يَتَهافَتُ الولدُ على الثَّدْيِ، وَبِأيِّ شاهِيَةٍ يَرْضَعُ مُرْضِعَهُ ؟ فَلْنَتَمَثّلْ بِهِ وَنحنُ نَتَقدَّمُ إلى هذِهِ المائِدَةِ وَنَرْضَعُ الشَّرابَ الرُّوحِيّ. وَلْنَتَفَهَّمْ بأشَدِّ حَرارةٍ، كالأطفالِ على الثُّدْيِ، نِعْمَةَ الرُّوح، وَلْيَكُنْ ألمَنا الوَحيدَ حِرْمانُنا هذا الغِذاء !

 

 

(الخطبة 82 في متّى، 5) 

 

القِدِّيسِ يوحَنّا فمِ الذّهَب (+407)