ألنَّفْسُ التي ابتَدَأتْ تَحْمِلُ الثِّمارَ البَهِجَة، هِيَ التي تَحَرَّرَتْ مِنَ الضِّيقِ والكآبةِ والضَّجَر، واتَّسَعَتْ لاحْتِمالِ السَّلامِ والفَرَحِ بالله، فَتَحَتْ قلْبَها رَحْباً لِمَحَبَّةِ جَميعِ النّاس، وَجَلَسَتْ على بابِهِ تَطْرُدُ أحْكامَ الفِكْر : هذا صالِح ! وذاكَ شِرِّير ! هذا بارّ ! ذاك خاطئ ! ثُمَّ جَلَسَتْ على عَرْشِ القلْب، تُرَتِّبُ فِكْرَ الوِجْدانِ والتَّميِيز، وَتُصْلِحُ حَواسَّها بالنَّقاوَة، لئلّا يُفْلِتُ واحِدٌ مِنْها فَيَشْتَعِلَ خِلْسَةً بِغَضَبٍ أو غِيرَةٍ أو حَسَد، وإذا بَقِيَّةُ الحَواسِّ قد أظْلَمَتْ.
إذا كُنْتَ مُشْتاقاً إلى سَلامَةِ القلبِ النَّقيّ، وَسَكينَةِ الضَمير، فاقْلَعْ مِنْ قَلْبِكَ شَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الجَيِّدِ والرَّديءِ التي أمَرَ اللهُ أوَّلَ جِنْسِنا بألّا يَأكُلَ مِنْها لِئلّا يَموت.
إذا جَلَسْتَ تُمَيِّزُ بينَ أخلاقِ الإخْوَةِ وَتَصَرُّفاتِهِم، فإنَّكَ لا بُدَّ مُهَدَّدٌ بِخِسارَةٍ كبيرَة، لأنَّكَ تَدينُ النّاس، فَتَلومُ - ولا تَشْعُرُ - مُدَبِّرَ الخَليقة، وُتُبَرِّرُ نَفْسَكَ، وَتنْشَبُ في فَخِّ الكِبْرياء.
فَتَبَصَّرْ كَمْ مِنْ خَطايا وَلَدَتْ هذِهِ الشَّجَرَةُ القاتِلَة !
مارِ اسحقَ السُّريانيّ (أواخر القرن السابع)