ألمارونيَّة ُ ولبنان

القوت اليومي

ألمارونيَّة ُ ولبنان

 

 

ألذي يبتَدئ بلبنان، كما أبتدِئ أنا به، ويُحبُّهُ ويؤمِنُ بهِ، ويعرِفُ قدْرَهُ في التاريخِ وفي ذاتِهِ وفي العالم، لا يسَعُهُ إلّا أنْ يُحِبَّ المارونيَّة مِن الأعماق. فمِمَّا لا جدَلَ فيه، أنّهُ لولا المارونيَّة لـَـما وُجِدَ لبنان.

      

 

كُلّنا مسؤولون عَن لبنان. كُلُّ لبنانيّ، كُلُّ طائِفة، مسؤولة ٌ عنهُ. بِما وُهِبَ أحَدُنا مِنْ قُدرَة، وبما سُنِحَ لهُ مِنْ فُرَصٍ وإمكانات، يُعطي لبنان. غيرَ أنَّ الموارِنة مسؤولون بشكلٍ خاصٍّ وفي الدّرجَةِ الأولى.

 

فإنْ توانَوا، وَقعنا جَميعاً في الخيبَةِ والحيرَةِ والبلبلة، وإنْ حزموا أمرَهُم وقادوا، اشتدَّتْ عزيمتُنا وصِرنا جَميعاً صفّاً واحِداً مُتراصّاً. مَصيرُ لبنان يقعُ في الدرَجة الأولى على عاتِقِ المَوارِنة، وهذا لا يعني مُطلقاً أنَّ اللّبنانيَّ اللامارونيَّ غيرُ مَدعوٍ لأنْ يُنافِسَ الموارِنة في المسؤوليَّةِ التامَّةِ عن هذا المصير.

      

 

إنَّ طائِفة ً كهذه، طاقاتُها وإمكاناتُها الضخمَة، وهذا الرسوخُ الصَّلبُ في الوجودِ اللّبنانيّ، لـَـتتَحَمَّلُ أكبَرَ قِسطٍ من المَسؤوليَّةِ في تقريرِ مصيرِ لبنان.

 

فإذا نآءَ لبنانُ بفعلِ الأحمالِ التي يحمِلُ والتجارِبِ التي تقذِفُها في وجهه الأقدارُ، فلا أقبَلُ بأيِّ حالٍ أن تُنحيَ المارونيَّة باللائِمةِ على أحدٍ غيرِها. أمّا إذا ازدهرَ لبنان، وشمَخَ ومُلِئَ سلاماً وثِقة ً ومحبَّة، وعلا جانِبُهُ إلى أرفعِ أرجاءِ الرؤيا والخلق، فلا أقبلُ بأيِّ حالٍ أيضاً أنْ تَدَّعي الفضلَ في ذلك أيـَّة ُ طائِفةٍ أخرى.

 

هذا مجدُ المارونيَّةِ وفخرُها: إنَّ مصيرَ لبنان، وُجوداً وكَيْفاً، مَنوط ٌ بها أكثرَ مِن غيرِها. هيَ العناية ُ التي شاءَت هذا المجدَ والفخار، وهي التي عيَّنتْ هذا الدورَ التاريخيَّ الحاسِم.

 

وإذا تأمّلنا بجِدٍّ وعُمقٍ وشُمول، حقيقة ما عناهُ وما يعنيهِ لبنان، في ذاتِهِ وفي العالم، لرأينا أنَّ هذين المشيئة والتعيين قد يكونانِ مِنْ أعوَصِ ما أ ُنيطَ بأيِّ شعبٍ في التاريخ. أمامَ هذا التأمّلِ الرصين، لا يليقُ بأيِّ لبنانيٍّ، وعلى الأخصِّ بأيِّ مارونيٍّ، إلّا الخوفُ والرعدة ُ والتواضعُ المُرتعِش.

 

 

(الطاقات المارونيّة في لبنان والعالم، محاضرة سنة 1974)

قراءةٌ من الدكتور شارل مالِك