ألصَّليبُ الفادي

القوت اليومي

ألصَّليبُ الفادي

 

 

 

 

كُلُّ عَمَلٍ قامَ بِهِ المَسيحُ كانَ مَدْعاةَ فَخْرٍ لِلْكَنيسةِ الجامِعة، وأعْظَمُ المَفاخِرِ كُلِّها كانَ الصَّليب. وإذْ عَرَفَ بولُسُ ذلكَ قال : "أمَّا أنا فَمَعاذَ اللهُ أنْ أفْتَخِرَ إلّا بِصَليبِ رَبِّنا يَسوعَ المَسيح". مِنَ العَجيبِ أنْ يَرى المَولودُ أعْمى النُّورَ في سِلْوام، ولكِنْ ماذا يَهُمُّ ذلكَ عُمْيانُ العالَم أجْمَع ؟ إنَّهُ لأمْرٌ عَظيمٌ وَخارِقٌ لِلطَّبيعَةِ، أنْ يَقومَ لَعازَرُ مِنَ المَوْتِ في اليَوْمِ الرَّابِع، وَلَكِنَّهُ حَظِيَ بالنِعْمَةِ وَحْدَهُ، فماذا يَهُمُّ ذلكَ الذينَ ماتوا بِخَطاياهُمْ في العالَمِ أجْمَع؟ إنَّها لَمُعْجِزَةٌ أنْ يَتَغَذّى خَمْسَةُ آلافِ رَجُلٍ بِخَمْسَةِ أرْغِفَة، ولكِنْ ماذا يَهُمُّ ذلِكَ الذينَ يَتَضَوَّرونَ جوعاً في العالَمِ أجْمَع؟ وَعَجيبٌ أنْ تُحَلَّ امْرأةٌ كانَ قدْ رَبَطَها الشَّيطانُ مُنْذُ ثَماني عَشَرَةَ سَنَة، ولكِنْ ماذا يَهُمُّنا ذلِكَ نَحْنُ جَميعاً المُرتَبِطينَ بِسلاسِلِ الخَطايا؟ تاجُ الصَّليبِ هُوَ الذي أضاءَ الذينَ كانَ يُعْمِيهِمِ الجَهْل، وحَرَّرَ الذينَ كانوا أسْرى الخَطيئة، وافْتَدى البَشَرَ أجْمَعين.

  

لا تَعْجَبْ مِنْ أنَّ العالَمَ بِأسْرِهِ قدْ افْتُدِي، لأنَّ الذي ماتَ لأجْلِنا لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ إنْسان، إنَّما هُوَ ابْنُ اللهِ الوَحيد. إنَّ خَطيئةَ إنْسانٍ واحِد، وَهُوَ آدَم، قدِ اسْتَطاعَتْ حَقّاً أنْ تُدْخِلَ المَوْتَ إلى العالَم. فإذا كانَ بِعُصْيانِ واحِدٍ سادَ المَوتُ العالَم، فَكيفَ بِبِرِّ واحِدٍ لا تَسودُ الحَياةُ بالأكْثَر ! وإذا كانا طُرِدا مِنَ الفِرْدَوسِ بِسَبَبِ شَجَرَةِ الحَياة، أفلا يَدْخُلُ المُؤمِنون الفِرْدَوسَ بِسُهولَةٍ أكْثَرَ بِسَبَبِ شَجَرَةِ يَسوع ؟ إذا كانَ الإنْسانُ الأوَّلُ المَجْبولُ مِنَ التُرابِ أدْخَلَ المَوتَ الشَّامِل، أفلا يَسْتَطيعُ الذي جَبَلَهُ مِنَ التُراب، وَهُوَ الحَياة، أنْ يَمْنَحَهُ الحَياةَ الأبَدِيَّة ؟

 

(الخطبة 13 ، 1-2)  

 

 

القِدِّيسِ كِيرِلُّسَ الأُورَشَليمي (+387)