ألإفخارستيّا عُربونُ القيامة

القوت اليومي

ألإفخارستيّا عُربونُ القيامة

 

 

قراءةٌ من القدّيس إيريناوُس (+202).

 

 

ألإفخارستيّا عُربونُ القيامة

 

 

 ألرَّبُّ اشترانا بِدَمِه، على حَدِّ قولِ الرَسول: الذي لنا فيهِ الفِداءُ، بِدَمِهِ مَغفِرَةُ الزّلات. وإنّنا أعضاؤهُ، نتغذ َّى مِن المَخلوقات، وهوَ نفسُهُ يُعطينا المَخلوقات، فيُطلِعُ شَمسَهُ، ويَسْكُبُ غيثَهُ، كما يشاء. إنَّ تلكَ الكأسَ المَخلوقة هيَ دَمُهُ المُهراقُ الذي يُغذٍّي دَمَنا، وذاكَ الخُبزَ المَخلوقَ هُوَ جَسَدُهُ الذي يُغذٍّي أجسادَنا.

 

 

فمتى تقبَلِ الكأسُ المَمزوجَة، والخُبزُ المَكسور، كلمَة َ الله، تُصبِحُ إفخارستيّا أي دَمَ المَسيحِ وَجَسَدَهُ، منهُما يتغذَّى وبِهِما يقومُ جَسَدُنا وَجَوهَرُ كِيانُنا؛ كيفَ يُنكِرُ قومٌ أنْ يكون الجَسَدُ جَديرًا بِعَطِيَّةِ الله التي هِيَ الحياةُ الأبديَّة، ذاك َ الجسَدُ الذي تَغَذَّى بِدَمِ المَسيحِ وَجَسَدِه، وصارَ عُضوًا للمَسيح؟ وكما يقولُ بولسُ الرسولُ لأهلِ أفسُس: فإنّا أعضاءُ جَسَدِهِ مِنْ لحمِهِ ومِن عِظامِه. فلا يقولُ ذلك عَنْ إنسانٍ روحيٍّ غيرِ منظور: فإنَّ الروحَ لا لحمَ لهُ ولا عِظام؛ بلْ عن كِيانِ إنسانٍ حقيقيٍّ مِنْ لحمٍ وعصَبٍ وعِظام، يتغذّى مِنْ كأسٍ هيَ دَمُ المَسيح، ومِنْ خُبزٍ هوَ جَسَدُ المَسيح.

 

 

 وكما أنَّ جِذعَ الكَرمَةِ يُغرَزُ في الأرضِ فيُؤتي ثمَرَهُ في حينِه، وحَبَّةََ الحِنطةِ تقعُ في الأرضِ وتَموتُ فتُنبِتُ حَبّاتٍ كثيرة، بروحِ اللهِ حاوي الجَميع، وبِحكمَةِ اللهِ يَصيرانِ حينَئِذٍ في خِدمَةِ الإنسانِ، وحين يقبَلانِ كلمَة َ اللهِ يُصبِحانِ إفخارستيّا، أي جسَدَ المَسيحِ ودَمَه، كذلك أجسادُنا التي تَتَغَذّى به، ولو دُفِنَتْ في الأرضِ وماتَتْ فيها، فستَقومُ في حينِها، بقوَّةِ كلمَةِ الله، إلى مَجدِ الآبِ الذي يَمنَحُ المائِتَ اللاموت، ويُنعِمُ على الفاسِدِ باللافساد. لأنَّ قوَّة َ اللهِ تَكمُلُ في الوَهَن، لئلّا ننْتَفِخَ ونَفتَخِرَ على الله، كأنَّ الحياة مِنّا، جاحِدين جَميلهُ علينا، بلْ لِنَتَعلّمْ مِن الاختِبارِ أنَّ البقاءَ في الخُلودِ هُوَ مِن الله، لا مِنْ طَبعِنا. فلا نَضلَّ في ما هُوَ مِنْ طَبعِ  الله، ولا نَجهَلْ ما هُوَ مِنْ طَبعِنا...

 

 

(ضد الهرطقات، 5/2 - 2-3)