عيد الدنح المجيد: إعتماد الربّ يسوع

الإنجيل

عيد الدنح المجيد: إعتماد الربّ يسوع

 

 

 

 

إنجيل لوقا (3/ 15-21)

عيد الدنح المجيد

 

 

 

فيمَا كانَ الشَّعْبُ يَنتَظِر، والجَمِيعُ يَتَسَاءَلُونَ في قُلُوبِهِم عَنْ يُوحَنَّا لَعَلَّهُ هُوَ المَسِيح،

 

أَجَابَ يُوحَنَّا قَائِلاً لَهُم أَجْمَعِين: «أَنَا أُعَمِّدُكُم بِالمَاء، ويَأْتي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، مَنْ لَسْتُ أَهْلاً أَنْ

 

أَحُلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ. هُوَ يُعَمِّدُكُم بِالرُّوحِ القُدُسِ والنَّار.

 

في يَدِهِ المِذْرَى يُنَقِّي بِهَا بَيْدَرَهُ، فيَجْمَعُ القَمْحَ في أَهْرَائِهِ، وأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لا تُطْفَأ».

 

وبِأَقْوَالٍ أُخْرَى كَثيرَةٍ كانَ يُوحَنَّا يَعِظُ الشَّعْبَ ويُبَشِّرُهُم.

 

لكِنَّ هِيرُودُسَ رئِيسَ الرُّبْع، وقَد كانَ يُوحَنَّا يُوَبِّخُهُ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا ٱمْرَأَةِ أَخِيه، ومِنْ أَجْلِ كُلِّ الشُّرُورِ الَّتي صَنَعَها،

 

زَادَ على تِلْكَ الشُّرُورِ كُلِّهَا أَنَّهُ أَلقَى يُوحَنَّا في السِّجْن.

 

ولمَّا ٱعْتَمَدَ الشَّعْبُ كُلُّهُ، وٱعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا، وكانَ يُصَلِّي، ٱنفَتَحَتِ السَّمَاء،

 

ونَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ القُدُسُ في صُورَةٍ جَسَديَّةٍ مِثْلِ حَمَامَة، وجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُول: «أَنْتَ هُوَ ٱبْنِي الحَبِيب، بِكَ رَضِيت».

 

 

تأمّل: (لمزيد من الإستنارة الروحيّة قراءته بتمهّل).

 

يُشكّل عماد الرَّبِّ يسوع في كُلِّ الأناجيلِ نقطة الإنطلاقِ في حياتِهِ العَلنيَّة والخلاصيّة. هو من الأحداثِ النادرةِ التي أورَدَها الإنجيليّون الأربعة.

 

في نصِّ هذا الإنجيل نَرى أوَّلاً: شهادَة يوحنّا المَعمَدان ليَسوع،

 

ثانياً: إنفتاحُ السَّماءِ فوقهُ بَعْدَ صمتٍ طويلٍ

 

ثالثاً: نزولُ الرُّوحِ القُدُسِ على يسوع فيَسِمَهُ بطابعِ المَلكيَّةِ والنّبوءةِ والحَبريَّة،

 

رابعاً: صَوتُ الآبِ عنه: "أنتَ ابني الحَبيب، بِكَ رَضيت"، وهذا استشهادٌ من نشيدِ عبدِ يَهوه المُتألم في أشعيا يَربِط عِمادَ الرَّبِّ يسوع بآلامِهِ ومَوتِهِ وقيامَتِهِ ويُعْطي لعيدِ الدّنحِ طابِعَ عيدِ القيامة.

 

إنَّ القدّيس لوقا لا يُصَوِّرُ لنا شيئًا عَن عِمادِ يَسوع في الأردُنّ. بَلْ يَدُلُّ على أنَّ مَعموديَّة التَّوبَةِ قدْ كرّسَت إنتماءَ يسوع إلى شَعْبِه .انضمَّ يَسوع إلى الجموع التي كانت تَتَزاحَمُ حَولَ يوحنّا المَعمَدان لكَيْ تعتَمِد، فجاءَ إلى شاطئ الأردُنّ. إنفتحَتِ السَّماواتُ لكيْ ينـزِلَ الرّوحُ القُدُس: "ليتك تَشُقُّ السَّماواتِ وتَنـزِل"! (أش63 /19) إنَّ هذا الإنفتاحَ هُوَ وَحْيٌ جديدٌ صادِرٌ عنِ الله يَصِلُ إلى جَميعِ البَشر.

 

العماد قبل المسيح: إنَّ العمادَ هُوَ ظاهِرَةٌ قائِمَة ٌ في كُلِّ الأديانِ والحضاراتِ وخاصَّة ً في المُجتمَع اليَهودِيّ. كانتِ الشريعَة اليَهوديَّة تَفرِضُ في العديدِ مِن حالاتِ النّجاسَة، إغتِسالاتٍ طقسيّةٍ تُطهِّرُ وتُؤهِّلُ لِلعبادَة. ونرى الأنبياءَ يتنّبأون عَن فيضِ ماءٍ مُطهِّرٍ مِن الخَطيئةِ (زك13 /1). كانت هذه المُمارَسات ترمُزُ إلى تطهيرِ القلب، وكان بِوِسْعِها أنْ تُساعِدَ على حدوثِهِ إنْ اقترَنَتْ بِمَشاعِرِ التّوبَة.

 

كان العمادُ لا يُمنحُ إلاّ بعدَ تجربة لفترةٍ طويلةٍ تسمَحُ بالتأكُدِ مِن الصّدقِ في الهدايَة، وهو حمّامٌ يوميٌّ تعبيرًا عن الجهدِ في سبيلِ حياةٍ طاهرة. وكان الشَّخصُ يغطسُ هُوَ بنفسِهِ في الماءِ بينما التائبون الذين سيتقدَّمون إلى يوحنّا سَينالون العِمادَ عن يَدِهِ مَرَّةً واحدة. كذلك كانوا يَتَطهَّرون بالماءِ حتّى قبلَ الحضارةِ اليونانيَّة. أمَّا الهُنودُ فكانوا يَتطهَّرون في نهرِ الغانج وكانوا يَقولون: "أيُّها الغانج طهِّرني". أمَّا الإسلام فيتَطَهَّرون بالماءِ أي ما يُسمّى "بالوضوء" الذي يَرمزُ إلى الحضورِ أمامَ الله.

 

معموديّة يوحنّا: إنَّ مَعموديَّة يوحنا هيَ قائِمَة على التّوبَةِ ولها علاقة ٌ بالأزمِنَةِ الأخيرة. رَبَطَ يوحنّا المَعمَدان العَهْدَ القديمَ بالعَهدِ الجَديد. معموديَّتُهُ تُعلِنُ قرْبَ حُضورِ اللهِ وتُمنَحُ مَرَّةً واحِدَة. وبِحَسَبِ التقليدِ اليَهودِيِّ لا توجِبُ الإقرارَ بالخطيئةِ بلْ يَكفي أنْ يَقولَ المَرءُ "أنا خاطئ".

 

إنَّ ما يُميِّزُ مَعموديَّة يوحنّا عَن بعضِ المَعموديَّات، هوَ أنَّ في المَعموديَّاتِ الأخرى كُلُّ واحِدٍ كان يُعَمِّدُ نفسَهُ، بينما مع يوحنّا المَعمَدان أصبَحَتِ المَعموديَّة ُ تُمنَحُ مِن قِـبَلِ رجُلٍ مُرْسَلٍ مِن اللهِ لِلدَّلالةِ على أنَّها مِنْ وَضع ٍ إلهيّ.

 

معموديّة يسوع: إنَّ يسوع بتقدُّمِهِ لإقتبالِ مَعمودِيَّةِ يوحَنّا إنَّما يَخْضَعُ لإرادةِ الآبِ ويجعلُ ذاتَهُ بتواضُع ٍ في صُفوفِ الخَطأةِ ولإتمام كُلِّ بِرّ. إنّه حَمَلُ الله الذي يَحمِلُ خَطيئة العالم. فعمادُ يَسوع في الأردُنِّ يُنبِئ ويُعِدُّ لعمادِهِ في المَوت، جاعِلاً هكذا حَياتَهُ العامَّة مُحاطَة ً بين مَعموديَّتين. إنَّ عِمادَ يسوع على يَدِ يوحَنّا قدْ كُلّلَ بِحُلولِ الرُّوحِ القُدُسِ تَحْتَ شَكلِ حَمامَة، وبإعلان الآبِ السَّماويّ لبُنوَّةِ يسوع الإلهيَّة. فحلولُ الرُّوحِ على يسوع هُوَ تَنصيبٌ له، يُطابِقُ ما جاءَ في نُبوءة أشعيا: "ويَحِلُّ عليهِ روحُ الرَّبّ، روحُ الحِكمَةِ والفهم، روحُ المَشورَةِ والتقوى، روحُ المَعرِفة وتقوى الرَّبّ" (أش11 /2).

 

يُشكِّلُ سِرُّ المَعموديَّةِ في الحياةِ المَسيحيَّةِ المَدخَلَ الوحيدَ إلى عيشِ أسرارِ الكنيسة، مِنْ خِلالِ هذا السِرِّ يدخُلُ المُعتمِدُ إلى حياةِ اللهِ التي ظَهَرَتْ بِيَسوع المَسيح، ويَدخُلُ يسوع على حياةِ المُعتَمِد، فيصبِحُ الإثنانِ شَخصًا واحِدًا. في المَعموديَّة يُصبِحُ عَمَلُ الخيرِ مِن طبيعتِنا وتُصبِحُ القداسَة في متناولِ أيدينا وضِمن إمكانيّاتِنا البَشريَّة. هذا ما تفعلهُ المَعموديَّة ُ في كيانِنا وجِراحِ أنفسِنا.

 

إنْ سارَ الإنسانُ وراءَ يَسوع، استطاع في عالمِنا الحاضِر، أنْ يَعيشَ ويَعملَ ويَتألمَ ويموتَ عَنْ ذاتِهِ بنوع إنسانيّ حقـًا، مَسنودًا مِن الله، مُستعِدًّا لخدمةِ النّاسِ في السَّراءِ والضَّراءِ طوالَ حياتِهِ وفي ساعَةِ مَماتِه.

 

أنْ أتخلّى عن حقوقي لصالح الآخرين، أنْ أمشي ميلين مع الذي يضطَرُّني على أنْ أمشي مَعَهُ ميلاً واحِدًا. فالمَعموديَّة تجْعلني أحِبُّ وأتخلّى، أنْ أتخلّى عَن القُوَّةِ حتّى على حسابي، بأنْ أعْطي رِدائي لِلذي يَنـزَعُ منّي قميصي. إنَّ التَواضُعَ وروحَ الخِدْمَةِ هُما الطريقُ إلى العَظمَةِ الحقيقيَّة. لقد أعطيَ لنا الرّوحُ في المَعموديَّةِ وهذا الرُّوحُ ليسَ كلمَة ولا صورة، بل إنّه شَخْصٌ حَيٌّ يعمَلُ فيَّ، إنّهُ نسمَة ُ حَياة، ديناميَّة الله الذي يتدخَلُ حين نَأخُذ مسؤولياتنا بإيدينا وعبرَ خياراتِنا وما نُخاطِرُ بِه، يقودُنا هذا الرّوحُ إلى الحقيقةِ كُلّها.

 

إنَّ المَعموديَّة هيَ الدُّخولُ إلى الخَلاصِ الذي حَققّه المَسيح. لذلك في المَعموديَّةِ نحنُ لم نعُدْ ضائِعين، بلْ هُناك الرُّوحُ الذي يُوَجِّهُ مِحوَرَ حَياتِنا ويَسْتقطِبُ وُجودَنا. فبِالصَّليبِ يَضمَنُ الإنسانُ خلاصَه، تمامًا كما كان اليَهوديُّ في البرِّيَّةِ يضمَنُ خلاصَهُ بالنظرِ إلى الحَيَّةِ (عدد21 /4-9).

 

بِالمَعموديَّةِ تموتُ طَبيعتُنا الخاطِئة معَ المَسيح ونَقومُ مَعَهُ إلى حياةٍ جديدَة. إنَّ سِرَّي المَعموديَّةِ والإفخارِستيّا هُما يُكوِّنان الكنيسة جَسَدًا لِلمسيح، فمَن اعتمَدَ في المَسيح وتناولَ جَسَدَهُ وشَرِبَ دَمَهُ أصبحَ واحِدًا معهُ وفيه. وانطِلاقـًا مِنْ هذين السِرَّين يُصبِحُ المُعتمِدُ واحداً مَعَ سائِرِ المُؤمنين. فبعدَ المَعموديَّةِ الإفخارستيّا وهُما مِنْ أهَمِّ الأسرارِ التي تَجعلنا نتحِّدُ بالمسيح ونَتَحَوّلُ إليه. نحنُ مُخَلّصون بالإيمانِ بالمَسيح الذي يتمثلُ في المَعموديَّة. فبِالمعموديَّةِ نَدخُلُ إلى الإسرارِ الفِصحيَّة: نموتُ ونقومُ مَعَ المسيح ونُشارِكُ في موتِهِ وقيامَتِهِ (روم6 /1-5).

 

في سِرِّ الإفخارستيَّا نُجَدِّدُ إشتراكَنا في الأسرارِ الفصحيَّة. فمن خِلال الإفخارستيّا نحنُ نعيشُ مُعموديَّتَنا على أساس ٍ يوميٍّ ويصلُ خلاصُنا الذي ينمو إلى الكمالِ تدريجيّاً. مِنْ خِلالِ مَعموديَّتِنا نحنُ مَدعُوُّون أنْ نتحوَّلَ في الإفخارستيَّا كما يَتَحَوَّلُ الخُبزُ والخمرُ إلى جسدِ ودَمِّ المَسيح.

 

هناك قوّتان مُتعارِضَتان تتجاذبان الإنسان: الله يجعلُ الإنسان فيه روحًا يتوجَّهُ نحوَ الخيرِ ولكن الإنسان جَسَدٌ ضعيفٌ وخاضعٌ لنيرِ الخَطيئة. إنَّ الشَرَّ يُفسِدُ معنى الوجودِ وليسَ فقط كنقصٍ في الوُجود، لذلك فالشَرُّ هُوَ العَبَثيةِ والمَعْنى المُعاكِسِ على الإطلاق. لذلك يقولُ القدِّيس أغناطيوس: "صلّوا وتواضعوا لكي لا يطلع بينكم ولا نبتة لإبليس".

 

هُناك حَقيقتان تَعْملانِ باستمرارٍ في حياتي: المَوتُ والحَياة. فأنا أموتُ باستمرار ٍ مَعَ المَسيح وأحيا مَعَهُ مَوتاً يَقودُ إلى الحَياة. إنَّ الموتَ مُؤلِمٌ وَتَكْرَهُهُ الطبيعَة البَشَريَّة. لذا يَجِبُ أنْ أتوَخَّى الحَذر دومًا كي لا أتجَنَّبَ ألمَ الموتِ اليَوميِّ فأخفِق في النُموِّ الذي هوَ هدفُ حَياتي.

 

لذلك وَجَبَ أنْ أجْتهِدَ كُلَّ يومٍ لأنمُوَ في يسوع بالمَوتِ عَنْ ذاتي القديمَةِ المكتفية بِنَفسِها (أف4 /22). فمن الخَطأ أنْ نَظنَّ أنَّ الوِلادَة الجَديدَة تَحدُثُ فجأةً ومِن دونِ عناء. فما مِنْ وُلوجٍ إلى حياةٍ جديدَةٍ مِن دون ألم. إنَّ التاريخَ الرُّوحِيَّ يُصنَعُ مِن الدّاخِلِ وليسَ من الخارج.

 

فالخطيئة هي أكثرُ الأمورِ حَماقة لأنّها تقطعُ الإنسان عنِ الله مَصَدَر الحَياة. إنّها تفضّلُ المَخلوق على الخالِق، إنّها عبادة أصنام. الخطيئة أكبرُ عملٍ يُعبِّرُ عَن قِصرِ النّظر. فعندما يُخطِئُ الإنسانُ يفقُدُ رؤية مَصيرِهِ الأبديّ، ويَرى فقط إشباعِهِ المُؤقّتِ للرَّغباتِ الذاتيّة. الخطيئة قمَّة الجَهل، جَهْلُ مَن أنا، مَن الله، وما هي سائِرُ الأشياء، الخطيئة إنكارُ الله. إنّها جريٌ وراءَ ظِلالٍ وهميَّةٍ مُعتبرَةً إيَّاها حقيقة. وما مِن وَهْم ٍ أكبرُ مِن "الأنا" التي خلقناها بأنفسِنا على صورَتِنا ومِثالنا، ونُضَحّي لأجلها على مذبحِ الأصنام ِ وهنا تنسحقُ الكراماتُ الإنسانيَّة:

 

"إنّنا نخسرُ أنفسَنا إذا حاولنا كَسْبَ العالمِ كُلّه" (مت8 /35). عندما تَتَعَرَّضُ السفينةُ لِلغَرَقِ يُضَحِّي بِحمولتِها القبطانُ لكيْ تَنجو. هكذا نحن مَدعُوُّون أنْ نُضَحي بحُمولةِ سفينةِ حياتِنا لكي تنجوَ مِن الغَرَقِ وتعْبُرَ إلى الشاطئ الآخر. إنَّ حَبَة الحِنَطَةِ التي تقعُ في الأرْضِ إنْ لمْ تمُتْ تبقى وَحدَها. وإنْ ماتتْ أخرَجَتْ ثمراً كثيراً (يو12 /24).

 

مِن المَوتِ تُولدُ الحياة هذا قانونُ الطبيعة. يقولُ لنا العُلماءُ أنَّ الخَلايا التي في أجسامِنا تموتُ باستمرار ٍ ويَحِلُّ مَحَلّها خَلايا أخرى جَديدة. هكذا نَنْمو وقدْ طبَّقَ المَسيحُ قانون الطَبيعَةِ هذا على حياتِنا الرُّوحيَّة: "على الإنسان أنْ يفقِدَ حياته لكي يحفظها لِلحياةِ الأبَديَّة" (مر8 /35). فكُلّما كانتْ هُناك مُعاناة، كانتْ هناك فرصَة لِلنموّ. وبِدونِ مُعاناةٍ أو مَوتٍ ما مِنْ حَياةٍ أو نُمُوّ.

 

وذلك يَعودُ إلى طَبيعَتِنا الضَّعيفةِ الخاطِئة. لذلك يَنبَغي التخلّصَ مِنْ ذاتِنا القديمَة لنُفسِحَ مَكانًا لذاتِنا الجَديدة: "المَخلوقة على صورةِ الله في البِرِّ وقداسَةِ الحَقّ" (أف4 /22-24). لذا نحنُ مدعُوُّون في كُلِّ هذا، أنْ نُحاوِلَ دَومًا والمُحاوَلة هيَ أعظمُ ما نعمَله دون أنْ نَيأس. مَدعُوُّون أنْ نُدرِك، أنَّ قوَّة اللهِ الفاعِلة فينا تستطيعُ أنْ تعمَلَ ما يفوقُ كُلَّ ما نَتصَوَّرُه.

 

أسئلة للتأمل والتفكير:

 

1- هل أعي أهميّة مفاعيل المعموديّة في حياتي المسيحيّة؟ هل أدرك أنَّ المعموديَّة طريق متجدّد يقودني إلى الله وإلى القداسة؟

 

2- كيف أجسّد معموديَّتي في حياتي اليوميّة؟ هلاّ فهمت أنَّ الثباتَ في الحياةِ المسيحيَّة إنّما هو تجديد يوميّ لثقتي بالله؟

 

3- هل أسمح لله بأن يعملَ فيَّ مِنْ خِلالِ المَعموديَّة، ماذا يعترضُ سِرَّ المعموديَّة ويمنعُ تقديسي؟ هل تولّدَتْ لدَيَّ الرَّغبَة لأموتَ عَنِ الإنسانِ القديم فيّ؟

 

صلاة: يا من تجسّدت واعتمدت اليوم في مياه الأردُنّ، آتياً من ذاتِ الله المُطلقة واللامُتناهية  لتشفيَ جراحَ بشريَّتنا وتقودَها إلى ما وراء الآفاق الضيّقة، لتبلغ بنا نحوَ سِرِّ الأبدِ حيث نجدُ كيانَنا وغاية وجودِنا. إملأنا من فيض روحِك ولاشِ مِنّا مساحاتِ الموتِ والخُواءِ التي سَبّبتها مَعْصيتُنا. جَدِّدنا بروحِك القُدوس الذي يُطّهِّرُ عُمْق نفوسِنا ويجعلُ مِنها هياكِلَ مُقدَّسَة وأنغامًا حيّة. ألهِمْنا فنتحَرَّرَ مِنْ عِنادِنا وتَردّدَنا ونحيا سِرَّ عِمادِك الذي هوَ نعمة ٌ تفوقُ إدراكَنا. إنَّ دخولك في تاريخِنا وطبيعتِنا هوَ وحْدَهُ  قادرٌ أنْ يُجَدِّدَنا  لنسلـُك  طريق اهتدائِنا إليك، آمين.

 

 

الأب نبيل حبشي ر.م.م.