اليوم الرابع بعد الدنح

الإنجيل

اليوم الرابع بعد الدنح

 

إنجيل اليوم  (يو 5/ 39 - 47)

 

 

قالَ الربُّ يَسوعُ (لليهود):«إِنَّكُم تَبْحَثُونَ في الكُتُب، لأَنَّكُم تَحْسَبُونَ لَكُم فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّة، وهِيَ الَّتي تَشْهَدُ لِي.


ولا تُريدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِليَّ لِتَكُونَ لَكُمُ الحَيَاة. أَنَا لا أَسْتَمِدُّ مَجْدًا مِنَ النَّاس. وأَنَا أَعْرِفُكُم، فَلَيْسَ فِيكُم مَحَبَّةُ الله.


أَنَا بِٱسْمِ أَبي أَتَيْت، ولا تَقْبَلُونَنِي. وإِنْ أَتَى آخَرُ بِٱسْمِ نَفْسِهِ، فَإِيَّاهُ تَقْبَلُون.


كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا، وأَنْتُم تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُم مِنْ بَعْض، والمَجْدَ الَّذِي مِنَ اللهِ الأَوْحَدِ لا تَطْلُبُون؟


لا تَحْسَبُوا أَنِيِّ سَأَشْكُوكُم أَنَا إِلى الآب، بَلْ لَكُم مَنْ يَشْكُوكُم، هُوَ مُوسَى الَّذي جَعَلْتُم فِيهِ رَجَاءَكُم.


فَلَو كُنْتُم تُؤْمِنُونَ بِمُوسَى لَكُنْتُم تُؤْمِنُونَ بِي، لأَنَّهُ هُوَ كَتَبَ عنِّي.


فَإِنْ كُنْتُم لا تُؤْمِنُونَ بِمَا هُوَ كَتَب، فَكَيْفَ تُؤْمِنُونَ بِكَلامِي؟».

 

أوَّلاً، قراءتي للنصّ

 

1- الآيات (39 - 41)

 

 يتابع يسوع كلامه مع اليهود، في محاولة إقناعهم بأنَّ عليهم أن يؤمنوا به؛ بعد أن كلّمهم عن ثلاث شهادات له، شهادة يوحنّا (32 - 35)، وشهادة أعماله (36)، وشهادة الآب المباشرة (37)، يكلّمهم هنا، عن الشهادة الرابعة، وهي شهادة الكتب المقدّسة التي، ويا للعجب!، بسبب إيمانهم وتمسّكهم بها، يرفضون قبوله والإيمان به؛ فيقول لهم، حصرًا في هذا الموضوع، ما هو واضح في النصّ، وما يمكن التعبير عنه في شكل البرهان التالي:

 

 أنتم حسنًا تبحثون في الكتب المقدّسة عن حياة أبديّة؛ ولكنّ هذه الكتب "تشهد لي"، ما يعني أنّ هذه الكتب في ذاتها، لا تعطي حياة أبديّة، بل تقول للمؤمن بها إنَّ "المنتظر" الذي سيرسله الله، الواعد بالخلاص، هو الذي يعطي حياة أبديّة؛

 

 لذلك، فإنّكم تسيئون التصرّف عندما ترفضون أنْ تأتوا إليَّ، أنا الذي أَرسله الله الآب، ولن تكون لكم بالتالي، الحياة التي تبحثون عنها؛ وهذا أقوله لكم، يضيف يسوع، فقط لخلاصكم الذي به أتمجَّد، لا لمجدٍ آخر يعطيه النّاس.

 

 

2- الآيات (42 - 44)

 

 ويتابع يسوع كلامه، فيواجه اليهود بالإعلان: "أنا أعرفكم!"، وبالكشف لهم عمّا هم بنظره، وبنظر الحقيقة أو واقع حالهم: أنتم، "فليس فيكم محبّة الله!"، لذلك لا تقبلونني، أنا الآتي باسم الله؛ ولكنّكم، تقبلون أيًّا آخر يأتي باسم نفسه، وتتبادلون المجد بعضكم من بعض، ما يعني أنّكم لا زلتم على مستوى البشر، ولم ترتقوا بعد إلى مستوى الله!

 

3- الآيات (45 - 47)

 

 ويعود يسوع، في متابعة كلامه مع اليهود، إلى الكتب المقدّسة، إلى موسى بالذّات، الذي يدّعون أنّه معلّمهم، وأنّهم لا يريدون معلِّمًا سواه، ليقول لهم أنَّ موسى بالذّات، هو الذي سيشكوكم، لا أنا، إلى الله الآب؛ لماذا؟ لأنّكم لا تؤمنون به؛ إذْ لو كنتم تؤمنون بي؛ ولكن، بما أنّكم لا تؤمنون بي، فذلك يعني أنّكم لا تؤمنون بما كتبه موسى (وكلّ ما كتبه هو عنّي)، وبالتالي لا تؤمنون به، هو بالذّات!

 

ويختم الربّ كلامه مع اليهود المتصلّبين في موقفهم الرّافض له، قائلاً: فإذا كنتم لا تؤمنون بما كتب موسى، وأنتم تنادون بالإيمان بموسى، فلا يمكنكم أن تؤمنوا بكلامي، وأنتم لا تؤمنون بي!

 

ثانيًا، "قراءة رعائيَّة"  

 

1- الآية (39)

 الكتب المقدّسة هي ينبوع الحياة ( مز 119)، وهي تشهد ليسوع؛ قرأها اليهود وتمعَّنوا في قراءتها، ولكنّهم لم يصلوا إلى ذاك الذي تتكلَّم عنه، والذي منه الحياة بل رفضوه، ودلّوا هكذا على أنّهم لا يريدون الحياة.

 

2- الآيتان (43 - 44)

 يصف يسوع هنا، اليهود في مواقفهم من الله، ومن بعضهم البعض، ويحكم عليهم حكمًا قاطعًا: يطلب اليهود المجد من البشر، ولا يطلبونه من الله؛ فهم عكس بولس الذي يقول: "فلو كنت ما أزال أرضي النّاس، لما كنت عبدًا للمسيح" (غل 1/ 10)؛

 

ويسمع اليهود للأنبياء الكذبة (يو 10/ 8)، الذين يكلّمونهم كلامًا بشريًّا، يعكس نظرة العالم الذي ما قبل يسوع وما عرفه (1/ 10)؛ بينما يسوع، فلا يتكلّم باسمه، بل باسم أبيه، ولا ينتظر مجدًا إلاّ من أبيه (7/ 18؛ 8/ 50 - 54).

 

3- الآيتان (45 - 46)

 

 موسى يشكوهم، لأنّهم لم يفهموا المعنى النهائيّ للشريعة: الوحي السّامي في يسوع المسيح (1/ 17؛ 6/ 32؛ 7/ 22 - 23؛ 9/ 28 - 29)؛ لأنَّ العهد القديم يقود الذي يقرأه قراءة صادقة، إلى المسيح (لو 24/ 25 - 27، 44)، وبشكل خاصّ أسفار موسى الخمسة (تك 49/ 10؛ خر 12/ 21؛ لا 16/ 5؛ عد 24/ 17؛ تث 18/ 15).

 

 

الأب توما مهنّا