إنجيل اليوم (يو 15/ 15-21)
15 لست أدعوكم بعد عبيدًا، لأنّ العبد لا يعلم ما يعمل سيّده، بل دعوتكم أحبّاء، لأنّي أعلمتكم بكلّ ما سمعته من أبي.
16 لم تختاروني أنتم، بل أنا اخترتكم، وأقمتكم لتذهبوا وتحملوا ثمرًا، ويدوم ثمركم، فيعطيكم الآب كلّ ما تطلبونه باسمي.
17 بهذا أوصيكم، أن تحبّوا بعضكم بعضًا.
18 إن يبغضكم العالم، فاعلموا أنّه أبغضني قبلكم.
19 لو كنتم من العالم لكان العالم يحبّ ما هو له. ولكن، لأنّكم لستم من العالم، بل أنا اخترتكم من العالم، لذلك يبغضكم العالم.
20 تذكّروا الكلمة التي قلتها لكم: ليس عبدٌ أعظم من سيّده. فإن كانوا قد اضطهدوني فسوف يضطهدونكم أيضًا. وإن كانوا قد حفظوا كلمتي فسوف يحفظون كلمتكم أيضًا.
21 غير انّهم سيفعلون بكم هذا كلّه من أجل اسمي، لأنّهم لا يعرفون الذي أرسلني.
أوّلاً قراءتي للنص
يتكوّن نص إنجيل هذا اليوم من سبع آيات؛ في ثلاث منها (15-17)، تشديد على المحبة وتعابيرها، وهي الأخيرة من الآيات التي أعطي لها العنوان التالي "يسوع هو الكرمة الحقيقيّة" (1-17)؛ وفي الأربع الأخرى (18-21)، تشديد على بغض العالم ليسوع وتلاميذه، وهي الأولى من الآيات التي أُعطيَ لها العنوان نفسه (18-25).
الآيات (15-17)
يتوزّع كلام يسوع لتلاميذه في هذه الآيات على العناوين الثلاثة التالية دعوتهم لهم "أحبّاء"، لا "عبيدًا"؛ مبادرته باختيارهم وإرسالهم؛ وصيّته لهم بالمحبّة الأخويّة المتبادلة.
أ- "لست أدعوكم بعد عبيدًا...، بل دعوتكم أحبّاء" (15)
هذا ما قاله الرَّبّ لتلاميذه، ويقوله للمؤمنين به، مشيرًا إلى تخطّيه التسمية "عبيدًا"، المألوفة في العهد القديم، والمطلقة على الأشخاص الذين اختارهم الله لمهمّة عائدة إلى علاقته بالبشر، وإبدال تسمية جديدة بها هي "أحبّاء" في الإطار نفسه، وهذا يعني إعلامهم، عند تكليفهم المَهمَّة نفسها، بكلّ ما سمعه من الله الآب، أبيه، حول هذه المَهمَّة؛ كلّنا، نحن المؤمنين به، وبخاصّة خادمي أسراره، أحباءه، مكلّفون مَهمَةً ذات علاقة بالخلاص، ومطلّعون على سرّ التدبير الخلاصيّ.
ب- "لم تختاروني أنتم، بل أنا أخترتكم" (16)
الاختيار لدى الأحبّاء متبادل، في الأساس ومبدئيًا، أو، أقله، عندما يتمّ ويتثبّت؛ لكن يسوع، هنا، يعلن لتلاميذه أنه هو الذي أخذ البادرة، واختارهم، وأقامهم، أي أسند إليهم مهمة، لكي يذهبوا ويواصلوا الرسالة التي حملها، هو، إلى العالم، وينفذّوا المهمة بنجاح حقيقيّ وثابت؛ ويؤكّد يسوع لهم أنّ الله الآب سيستجيبهم في كل ما يطلبونه منه، باسمه، أي انطلاقًا من اختيارهم للرسالة وتكليفهم إيّاها في حياتهم الزمنيّة.
ج- "بهذا أوصيكم، أن تحبوا بعضكم بعضًا" (17)
أوصى يسوع تلاميذه، ويوصينا، نحن المؤمنين به، على مدى العمر والزمان، بأن لا نحول دون نمو محبته فينا، ودون فتح المجال لتبادلها بعضنا مع بعض، شهادة لمن حرموا الإيمان به، ووعي محبته فيهم.
3- الآيات (18-21)
ينذر يسوع تلاميذه ببغض العالم لهم، البغض الذي قد يكون، بالتدرّج، رفضًا لكلامهم ولرسالتهم، أو تهميشًا لهم ولدورهم في المجتمع، وأخيرًا تعريضهم لشتى أنواع الاضطهاد. ويعلّم يسوع تلاميذه أنّ العالم يحب من هم له، وأنّ بغضه لهم، بالتالي، متسبّب من كونهم لم يعودوا من العالم وله، بعد أن اختارهم، هو، من العالم، وأعطاهم أن يكونوا، على مثاله، في العالم، لا من العالم.
وينبّه يسوع تلاميذه إلى أن عدم توقّعهم ذلك، وتذمّرهم منه إذا ما وقع، يتناقضان مع القاعدة التي تقول "ليس عبد أعظم من سيّده"؛ فمن الحكمة، إذن، أن يتوقّع تلاميذ يسوع، والمؤمنون به، أن يتعامل العالم معهم، كما تعامل مع معلّمهم وسيّدهم، أن يقبلهم حينًا، وأن يبغضهم حينًا آخر.
هذا الموقف الأخير العدائيّ تجاه يسوع وتجاه تلاميذه متأتٍ من كون متّخذيه، هم الذين لا يعرفون يسوع، ولا يقرّون بأنّه "المنتظر" الذي أرسله الله الآب لخلاص العالم.
ثانيًا "قراءة رعائيّة"
الآية (18)
تجاه تيّار الحب في العالم، هناك تيّار البغض الذي يرفض مشروع الله؛ هذا العالم، كما حارب يسوع، فسوف يحارب تلاميذه؛ ولكن يسوع يبقى حاضرًا بواسطة روحه (26)؛ وضع التلميذ إذن كوضع معلّمه، فلا ينتظر من العالم أفضل مما لاقى معلّمه فيه.
شرح عبارات وكلمات
أ- عبيد، أحباء (15)
مقابلة بين العبيد (الخدم) الذين ينفذّون ما يطلب منهم دون جدال، والأحبّاء (الأصدقاء) الذين عرفوا حب الآب، فصار تنفيذهم لما يطلب منهم حرية على مثال ما عند الرب يسوع.
ب- ويدوم ثمركم (16)
هذا الثمر هو، في النهاية، الحياة الأبديّة.
ج- تطلبونه باسمي (16)
كل رسالة ترافقها الصلاة، لا يمكن الاّ أن تعطي ثمرًا.
الأب توما مهنّا