إنجيل اليوم (يو 7: 40 - 52)
40 سَمِعَ أُنَاسٌ مِن الجَمَع كَلامَهُ هَذا، فَأخَذوا يَقولُون: "حَقًّـا، هَذا هُوَ النَّبِيّ".
41 وآخَرُونَ كَانوا يَقولُون: "هَذا هُوَ المَسِيح". لَكِنَّ بَعضَهُم كَانَ يَقول: "وهَل يَأتِي المَسِيحُ مِن الجَلِيل؟
42 أمَا قَالَ الكِتَاب: يَأْتِي المَسِيحُ مِن نَسْلِ دَاوُد، ومِن بَيتَ لَحمَ قَريَةِ دَاوُد؟".
43 فَحَدَثَ شِقَاقٌ في الجَمعِ بِسَبَبِهِ.
44 وكَانَ بَعضٌ مِنهُم يُرِيدُ القَبضَ عَلَيه، وَلَكِنَّ أحَدًا لَم يُلقِ عَلَيهِ يَدًا.
45 وعَادَ الحَرَس، فَقَالَ لَهُمُ الأحبَارُ والفَرِّيسِيُّون: "لِمَاذا لم تَجلِبُوه؟".
46 أجَابَ الحَرَس: "مَا تَكَلَّمَ إنسَانٌ يَومًا مِثلَ هَذا الإنسَان!".
47 فَأجَابَهُمُ الفَرِّيسِيُّون: "ألَعَلَّكُم أنتم أيضًا قَد ضُلِّلتُم؟
48 وهَل آمَنَ بِهِ أحَدٌ مِنَ الرُّؤَسَاءِ أوِ الفَرِّيسِيِّين؟
49 لَكِنَّ هَذا الجَمعَ، الَّذي لا يَعرِفُ التَّورَاة، هُوَ مَلعُون!".
50 قَالَ لَهُمِ نِيقُودِيمُوس، وَهُوَ أحَدُهُم، ذاكَ الَّذي جَاءَ إلى يَسُوعَ مِن قَبلُ:
51 "وهَل تَدِينُ تَورَاتُنَا الإنسَانَ قَبلَ أن تَسمَعَهُ وتَعرِفَ مَا يَفعَل؟".
52 أجَابُوا وقَالُوا لَهُ: "ألَعَلَّكَ أنتَ أيضًا مِنَ الجَلِيل؟ ابحَثْ وانظُر أَنَّهُ لا يَقومُ نَبِيٌّ مِنَ الجَلِيل!".
أوّلًا قراءتي للنصّ
يرد هذا النصّ، مع شرحه، في نصَّي يومَي الجمعة (يو 7: 37 - 44)، والسبت (يو 7: 45 - 53)، من أسبوع البيان ليوسف في زمن الميلاد المجيد.
الآيات (40 - 44): أُعطِيَ لهذه الآيات والتالية لها (45 - 53)، في "الترجمة اللِّيتورجيّة"، العنوان التالي: "أقوال مختلفة في يسوع"؛ يلحظ يوحنّا الإنجيليّ بأنّ تعليم يسوع قد أحدث شقاقًا في الجَمْع المستمعين إليه، فتوزَّعَ هؤلاء إلى فئات ثلاث.
أ- فئة الذين اقتنعوا بيسوع وتعليمه، واتّخذوا موقفًا إيجابيًّـا منه، فقال بعضُهُم: "حقًّـا، هذا هو النبيّ" الذي وَعَدَ به الربّ شعبه على فم موسى (تث 18: 15)؛ وقال بعضُهُم الآخر، بصريح العبارة ومن دون مراجعة أو محاولة تبرير: "هذا هو المسيح"؛
ب- وفئة المتردّدين في موقفهم من يسوع وتعليمه، منطلقين في تردّدهم هذا، إمّا من هويّة يسوع الجغرافيّة، على أساس المقولة الشائعة التالية: "هل يأتي المسيح من الجليل؟"، وأمّا من جهلهم التامّ لكون يسوع قد أتى شرعًا من نسل داود، وفعلاً من بيت لحم؛
ج- وأخيرًا فئة الذين، أرادوا القبض عليه، هؤلاء هم الفرّيسيّون الذين سبق واتّخذوا موقفًا عدائيًّـا منه، وتصلّبوا في موقفهم هذا حتّى النهاية.
الآيات (45 - 49)
موقف الفريّسيّين والأحبار، والرافض ليسوع والعدائيّ له، قد تكشّف عن.
أ- فقدانهم قوّة التمييز وإسكاتهم لها، التي حملت الحرس، عندما عادوا من مهمّة القبض على يسوع، وسُئِلُوا: "لماذا لم تجلبوه؟" على التعبير عَمّا أَرَتْهُم تلك القوّةُ بقولهم: "ما تكلَّمَ إنسان يومًا مثل هذا الإنسان!".
ب- احتكامهم إلى برهان السلطة، الذي هو أضعف البراهين، إذْ لم يحاولوا أن يبيّنوا للحرس صحّة عكس ما رأواه واقتنعوا به وأعلنوا به وأعلنوا عنه؛ بل لجأوا إلى اتّهام هؤلاء الحرس بالضلال، لمجرّد كونهم قالوا ما لم يقولوه هم، ومالوا إلى ما لم يميلوا إليه، هم الرؤساء!
ج- احتقارهم للجَمْع، ولكلّ الذين لا يرتأون برأيهم في ما يختصّ بيسوع وتعليمه، متّهمين إيّاهم بجهل التوراة، مع أنّهم كانوا قد أعطوا معرفة التوراة بارتياحهم إلى تعليم يسوع وأعماله.
الآيات (50 - 52)
تجرّأ نيقوديموس، وهو أحدهم، وتدخّل، معترضًا على مواقفهم وأحكامهم المسبَقة، ومستندًا إلى التوراة بالذات، بتوجيه السؤال التالي: "وهل تدين توراتنا الإنسان قبل أن تسمعه وتعرف ما يفعل؟"؛ لكنّ الفرّيسيّين وباقي الرؤساء رأوا في تدخّل نيقوديموس هذا محاولةً منه للدفاع عن يسوع، فأجابوه بحجّة، اعتبروها دامغة، تنطلق، لا من التوراة، بل من المقولة التي تنفي مجيء المسيح من الجليل: فيسوع، لمجرّد كونه من الجليل، لا يمكن أن يكون النبيّ المنتظَر؛ وهكذا جاء جوابهم دون سؤال نيقوديموس، أقلّه من حيث المرجع والمستنَد.
ثانيًا "قراءة رعائيّة"
الآية (42) "من بيت لحم": راجع (2 صم 7: 12 - 17؛ مز 89: 4 - 5؛ مي 5: 2): اعتبر الناس أنّ يسوع وُلِدَ في الناصرة، لا في بيت لحم؛ لذلك، لم يستطيعوا أن يربطوه بداود الملك، ويحسبوه المسيح.
الآيتان (46 - 47) وجد الحرس في ذهابهم للقبض على يسوع مناسبةً لسماع كلامه، ولقبول تأثير هذا الكلام الفريد فيهم؛ فعمل الفرّيسيّون على انتزاع ذلك التأثير الحسن بوصفه خداعًا وتضليلاً؛ وهذا ما سوف يعمله رؤساء الكهنة، بعد القيامة، مع الجنود، عن طريق الرشوة.
الآية (49) أي الجَمْع الذين آمنوا؛ احتقرهم الفرّيسيّون، وهكذا ازدادوا غوصًا في عدم الإيمان؛ كانت لديهم 613 وصيّة، فمَن يستطيع أن يعرفها كلّها بتفاصيلها وحذافيرها؟ فالشعب الذي لا يعرفها، وبالتالي لا يمارسها، ملعون وبعيد عن بركة الله.
الآيتان (50 - 51) أراد نيقوديموس أن يدافع عن يسوع باسم العدالة المتضمّنة في التوراة.
الأب توما مهنّا