الثلاثاء التاسع من زمن العنصرة

الإنجيل

الثلاثاء التاسع من زمن العنصرة

 

 

 

 

 

إنجيل اليوم (لو 11/ 37-41)

 

 

37 وبَينَما هو يَقولُ ذلك، دَعاه أَحَدُ الفِرِّيسيِّينَ إِلى الغَداءِ عِندَهُ. فدَخَلَ بَيتَه وجلَسَ لِلطَّعام.

 

38 ورَأَى الفِرِّيسيُّ ذلك فعَجِبَ مِن أَنَّه لَم يَغتَسِلْ أوَّلاً قَبلَ الغَداء.

 

39 فقالَ لَه الرَّب ّ: "أَيُّها الفِرِّيسِيُّون، أَنتُمُ الآنَ تُطَهِّرونَ ظَاهِرَ الكَأسِ والصَّحفَة، وباطِنُكم مُمتَلِئٌ نَهبًْا وخُبْثًا.

 

40 أَيُّها الأَغْبياء، أَلَيسَ الَّذي صَنعَ الظَّاهِرَ قد صَنَعَ الباطِنَ أَيضًا؟

 

41 فتَصَدَّقوا بِما فيهِما، يَكُنْ كُلُّ شَيءٍ لكُم طاهِرًا.

 

 

أوّلاً قراءتي للنّصّ

 

 

 سأل أحد الفرّيسيّين يسوع أن يتغدّى عنده، فلبّى يسوع الدعوة، ودخل واتّكأ؛ لكنّ الفرّيسيّ الذي رآه يجلس على المائدة قبل أن يغتسل، تعجَّب،  وفي سرّه، تساءل! فأجابه يسوع بقساوة، قائلاً له، وبواسطته للفرّيسيّين عمومًا: أنتم مراؤون، لأنّكم تتقيّدون، بدقّة، بفرائض الشريعة التي تطهّر الخارج، ولا تفعلون الشيء ذاته بالنسبة إلى الداخل، لذلك "داخلكم مملوءٌ نهبًا وشرًّا"؛ أنتم جهّال، لأنّكم تغفلون عن الحقيقة التي تقول إنّ اللّه الذي صنع الخارج، هو عينه، صنع الداخل، وإنّ هذا مرجع لذاك! فعليكم، إذن أن تعكسوا قاعدة تقيّدكم بفرائض الشريعة: فتحافظوا على تلك التي تطهّر الداخل، وعندها، يصبح كلّ شيء طاهرًا لكم.

 

 

  أخذ يسوع على الفرّيسيّين اهتمامهم بالخارج، وإهمالهم الباطن في حفظ الشريعة، والتمسّك بما تفرضه تفسيراتها والتقاليد المتوارثة؛ وكان يسوع يحثّهم دائمًا على إعارة الاهتمام الأوّل والأساس إلى الداخل وتطهيره، لأنّ طهارة الباطن تتمظهر بالضرورة، في الخارج، وتنعكس فيه وعليه؛ بينما العكس غير أكيد؛ راجع حادثة حننيا وزوجته سفّيره ( في رسل 5 /1-11).

 

 

 

 الفرّيسيّون، في إنجيل لوقا، أصدقاء يسوع، يدعونه إلى تناول الطعام (7/36؛ 11/37؛ 14/1)، ويحذّرونه من الملك (13/31)؛ والفرّيسيّون في إنجيل متّى ومرقس، ألدّ أعداء يسوع، ولعلّهم عادوا الكنيسة الأولى الناشئة، فاتُّهموا بعداء يسوع؛ أمّا بولس، ففاخر كلّ حياته بانتسابه إلى الفرّيسيّين (فل 3/5؛ رسل 23/6؛ 26/5؛ راجع شرح لو 7/36).

 

 

  كان يسوع يقبل دعوة الفرّيسيّين إلى الطعام (لو 7/36؛ 11/37؛ 4/1)، وكان يجادلهم ( لو 5 /17-39؛ 6 /1-11؛ 7 /36-50؛ 13 /31-32)؛ جادلهم 4 مرّات في انتهاك حرمة السبت: قلع السنابل (لو 6/15؛ متّى 12 /1-8؛ مر 2 /23-28)، شفاء مشلول (لو 6 /6-11؛ متّى 12 /9-14؛ مر 3 /1-6)، شفاء حدباء (لو 13 /10-17)، شفاء مستسقٍ (لو 14 /1-6)؛ وكان يدور الجدال كلّه (14 /1-24) في دار الفرّيسيّ، أثناء تناول الطعام (راجع شرح لو 14 /1).

 

 

أهمّ تفسيرات التوراة، كما هي واردة في الميشْنَاه والتلمود، يُعنى بالغسل الذي تفرضه التوراة (لا 11-16)، وبالطهارة الجسديّة والروحيّة؛ فُرِضَ غسل الأيدي والأرجل على هارون وبنيه، إذا ما أقدموا على خدمة الشعب كلّه؛ آل قمران مارسوا هذا الغسل؛ ومرقس فسّره لقرّائه اليونانيّين (7 /3-4).

 

 

 الصدقةُ بما في الداخل تجاوزٌ لعادات الفرّيسيّين الخارجيّة، ودخول في علاقة روحيّة داخليّة بالعالم الوثنيّ، كعلاقة بطرس بالقائد الوثنيّ كورنيليوس (رسل 10/28)؛ الصدقة موضوع غالٍ على لوقا، يتفرّد به (هنا، وفي 12/33؛ 16/9؛ 19/8؛ رسل 9/36؛ 10/2، 4، 41؛ 11/29؛ 24/17)؛ ويتلاقى فيه ومتّى ومرقس (لو 6/30؛ 8/22؛ 21 /1-4)؛ وقد يكون لوقا هو الذي بدّل النصّ الموازي في متّى ( 23/26).

 

 

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

 

 

نحن أمام جدال بين يسوع والسلطات اليهوديّة، جدال يتفاقم بين العالم اليهوديّ والكنيسة الأولى، كما تدلّ الآيات 49-51؛ ويسوع يندّد بمحاولة المعلِّمين التسلّط بواسطة تفاسيرهم للتّوراة، وتعقيد المتطلّبات الدينيّة؛ فمنطق الملكوت هو غير هذا المنطق.

 

  ويقابل يسوع بين ديانة خارجيّة شكليّة، كما عند الفرّيسيّين، وبين ديانة باطنيّة، هي ديانة القلب، التي يطلبها ويفضّلها (راجع لو 16/15؛ متّى 15 /1-20؛ مر 7 /1-23)؛ وحول القلب (راجع لو 6/45؛ 10/27؛ 12/34؛ 21/34؛ 24/25).

 

 

 

 

الأب توما مهنّا