الأحد السابع عشر من زمن العنصرة

الإنجيل

الأحد السابع عشر من زمن العنصرة

 

 

 

إنجيل القدّيس لوقا (لو 25/10- 37) 

 

مثل السامريّ الصالح.

 

 

إِذَا عَالِمٌ بِالتَّوْرَاةِ قَامَ يُجَرِّبُ يَسُوعَ قَائِلاً: «يا مُعَلِّم، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ ٱلحَياةَ الأَبَدِيَّة؟».
فَقَالَ لَهُ: «مَاذَا كُتِبَ في التَّوْرَاة؟ كَيْفَ تَقْرَأ؟».


فَقَالَ: «أَحْبِبِ ٱلرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَكُلِّ نَفْسِكَ، وَكُلِّ قُدْرَتِكَ، وَكُلِّ فِكْرِكَ، وَأَحْبِبْ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ».


فَقالَ لَهُ يَسُوع: «بِالصَّوابِ أَجَبْتَ. إِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا».


أَمَّا هُوَ فَأَرادَ أَنْ يُبَرِّرَ نَفْسَهُ، فَقَالَ لِيَسُوع: «وَمَنْ هُوَ قَريبِي؟».


فَأَجابَ يَسُوعُ وَقَال: «كانَ رَجُلٌ نَازِلاً مِنْ أُورَشَلِيمَ إِلى أَرِيحَا، فَوَقَعَ في أَيْدِي اللُّصُوص، وَعَرَّوهُ، وَأَوْسَعُوهُ ضَرْبًا، وَمَضَوا وَقَدْ تَرَكُوهُ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيْت.


وَصَدَفَ أَنَّ كَاهِنًا كَانَ نَازِلاً في تِلْكَ الطَّرِيق، وَرَآهُ، فَمَالَ عَنْهُ وَمَضَى.


وَمَرَّ أَيْضًا لاوِيٌّ بِذلِكَ المَكَان، وَرَآهُ، فَمَالَ عَنْهُ وَمَضَى.


ولكِنَّ سَامِرِيًّا مُسَافِرًا مَرَّ بِهِ، وَرَآهُ، فَتَحَنَّنَ عَلَيْه،
وَدَنَا مِنْهُ، وَضَمَّدَ جِرَاحَهُ، سَاكِبًا عَلَيْها زَيْتًا وَخَمْرًا. ثُمَّ وَضَعَهُ عَلَى دَابَّتِهِ، وَذَهَبَ بِهَ إِلى الفُنْدُق، وٱعْتَنَى بِهِ.


وفي الغَد، أَخْرَجَ دِينَارَينِ وَأَعْطاهُمَا لِصَاحِبِ الفُنْدُق، وَقَالَ لَهُ: إِعْتَنِ بِهِ، وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ فَأَنَا أُوفِيكَ عِنْدَ عَوْدَتي.


فَمَا رَأْيُكَ؟ أَيُّ هؤُلاءِ الثَّلاثَةِ كَانَ قَريبَ ذلِكَ الرَّجُلِ الَّذي وَقَعَ في أَيْدِي اللُّصُوص؟».


فَقَالَ: «أَلَّذي صَنَعَ إِلَيْهِ ٱلرَّحْمَة». فَقَالَ لَهُ يَسُوع: «إِذْهَبْ، وٱصْنَعْ أَنْتَ أَيْضًا كَذلِكَ».

 

 

 

تأمّل:        (لمزيد من الإستنارة الروحيّة قراءته بتمهّل طوال الأسبوع).

 

 في إطار إنجيل الألم يندرج مثل السامريّ الصالح. قد أجاب المسيح، في هذا المثل، السائل عن "من هو قريبي" (لو 10، 29)، وفي الواقع، من بين الثلاثة الذين كانوا منحدرين من أورشليم إلى أريحا، على الطريق الذي كان مُلقى عليه، وهو شبه ميت، رجلٌ سَلَبَهُ اللصوص وجرّحوه.

 

 إنَّ السَّامري هو من أظهر عن نفسه بأنّه في الحقيقة قريب من ذلك المسكين: وتعني لفظة قريب، في وقت معًا، من يتمّ وصيّة المحبّة تجاه القريب. وكان هناك مسافران آخران يسلكان الطريق عينه: وكان الأوّل كاهنًا والآخر لاوّيًا، "وكلاهما رآه وعبر". أمّا السَّامري، "فرآه فرحمه، فدنا وضمّد جراحه" ثمّ "أتى به الفندق وأهتمّ به"(لو 10، 33 – 34). ولدى رحيله، أوصى صاحب الفندق بالإهتمام بالرجل الذي كان يتألم، وتعهّد بأن يدفع له النفقات اللازمة.

 

إنّ مثل السّامريّ الصَّالح يدخل في إطار إنجيل الألم. وهو يظهر الطريقة التي يجب على كلٍّ منَّا أن يتّبعها مع قريب يتألم. فلا يجوز لنا إذن أن "نعبر" غير مبالين، لكن علينا أن "نتوقّف" إلى جانبه. إنّه سامريّ صالح كلّ من يقف إلى جانب آلام رجل آخر، أيًّا تكن هذه الآلام. ويجب ألاّ يكون هذا الوقوف فضولاً، بل نفسًا مستعدّة للمساعدة، بحيث يصبح كأنّه مَلَكة راسخة في قلب الإنسان تحمله على الإنفتاح والإستجابة لمعاني التأثّر والشفقة. إنّه سامري صالح كلّ من يتأثّر لآلام الآخرين "وتأخذه الشفقة" لمصائب القريب. وإذا كان السيِّد المسيح، الذي يعرف جيِّداً ما في الإنسان، يظهر مثل هذه المشاعر من التأثّر، فلأنّه يريد بذلك أن يولد فينا مثلها أزاء ما يقاسيه الآخرون من آلام. فيجب إذن تعهّد هذه الطاقة من المشاعر القلبيّة التي تدلّ على عاطفة شفقة تجاه من يتألّم. وهي قد تكون أحياناً التعبير الوحيد أو الأهمّ عن محبَّتنا لمن حلّ به الألم وعن تضامننا معه.

 

ولكن هذا السّامري في المثل الذي ضربه السيِّد المسيح لا يكتفي بمشاعر التأثّر والشفقة: لقد كانت هذه حافزًا له على القيام بما يجب من مساعدة للجريح. إنّه سامريّ ذاك الذي يسعف المتألم، أيًّا تكن آلامه، ويحمل إليه، على قدر المستطاع، المساعدة الناجعة. إنّه يبذل من قلبه، لكنَّه لا يهمل المعونة الماديّة. ويمكن التأكيد أنّه يُعطي ذاته "الأنا" الخاصة به، ويفتحها على الآخرين. ونصل هنا إلى أهمّ فصول علم الإنسان في المفهوم المسيحيّ. ولا يُمكن الإنسان أن "يجد ذاته كاملة، ما لم يهب هذه الذات هبة خالصة" (المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، دستور رعوي في الكنيسة في عالم اليوم، فرح وأمل، عد 24). إنّه سامريّ صالح ذاك الذي بإمكانه أن يقوم بهذه الهبة، هبة الذات.

 

 يمكن القول، لدى التوقّف على المثل الإنجيليّ، أن الألم الموجود بين الناس بأشكال متعدّدة، إنّما هو بينهم لكي يحمل الإنسان على طرح الأسئلة، ويوقظ فيه المحبّة أي هبة الذات، من أجل من نالتهم الآلام من الناس. وإنّ عالم الألم البشريّ يستدعي، إذا جاز التعبير، عالمًا آخر يقوم على المحبّة البشريّة. وبعد فالألم، إنّما هو حافز للإنسان على تناسي منفعته الخاصَّة، وإضرام المحبّة في قلبه وتجسيدها بالأعمال. ولا يجوز للإنسان "القريب" أن يمرّ وهو غير مبال بما يرى من آلام الآخرين، وذلك لما بين الناس من رابطة تضامن، وعلى الأخص لما يجب أن يشدّهم من أواصر محبَّة. وعليه أن "يتوقف" و"يتأثّر"، ويتصرّف على مثال السَّامري في المثل الإنجيليّ.

 

ويكشف هذا المثل بحدّ ذاته، عن حقيقة مسيحيَّة راهنة، وهي، في الوقت ذاته، حقيقة إنسانيّة شاملة. ولا يدعى عبثاً عمل "سامريٍّ صالحٍ" في اللغة المتداولة كلّ ما يعمل في سبيل المتألمين والمحتاجين إلى المساعدة.

 

وقد ارتدى هذا العمل، على مرّ العصور، صيغًا رسميَّة، منظّمة، وأوجد شبه قطاع عمل خاص بكلِّ مهنة، من مثل مهنة الطبيب أو الممرّضة وما شابه. وكلّ منهما إنّما هو عمل "سامريّ صالح". ونظرًا إلى ما في هذا العمل من نفحة إنجيليّة، إنّا لنميل إلى التفكير بأنّه دعوة أكثر منه مهنة. وقد تنامت في أيّامنا المؤسَّسات التي قامت، عبر العصور، بخدمة "الرَّاعي الصَّالح"، واتّخذت لها حقول اختصاص. وهذا ما يثبت دونما شكّ، أنَّ الناس يولون، في عصرنا، آلام القريب، اهتمامًا ووعيًا متزايدين، ويسعون إلى تفهّمها والحيلولة دون حدوثها.

 

ويزداد التخصّص في هذا الحقل، يومًاً بعد يوم، ويتعمّق الإطّلاع الفنّي، ويتّسع حقل الممارسة. وإذا نظرنا إلى ذلك كلّه، أمكننا القول، بحق، أن مثل السّامري الصالح أصبح جزءًا هامًّا من الثقافة الأدبيّة والحضارة الإنسانيّة الشاملة. وإذا ما نظرنا أيضًا إلى جميع الذين يساعدون، بعملهم وخبرتهم، بطرق شتّى، القريب الذي يشكو الألم، لا يمكننا إلاّ أن نتوجَّه إليهم بالشكر ونُعرب لهم عن خالص الإمتنان.

 

ونريد أيضًا أن نوجّه مثل هذا الشكر إلى جميع الذين، دونما التفات إلى راحتهم، ينصرفون إلى خدمة القريب المتألّم، ويبذلون من ذاتهم للمساعدة على مثال "السّامري الصالح"، ويخصّصون، خارج نطاق عملهم المهني، كلّ ما يتبقّى لهم من وقت وقوى، في هذا السبيل. وهذا النشاط الإختياريّ، نشاط "الرَّاعي الصَّالح"، أو واجب المحبَّة، يمكن تسميته بالنشاط الإجتماعيّ، أو أيضًا بالرِّسالة، كلّما بُذل لأغراض إنجيليَّة حقيقيَّة، وخاصَّة، إذا تمّ بالنظر إلى الكنيسة أو إلى أيّة جماعة مسيحيَّة.

 

ويمارس عمل "السَّامري الصَّالح" الاختياريّ في الأوساط الملائمة، أو بواسطة مؤسَّسات أنشئت لهذه الغاية. ولهذا النشاط الذي يتمّ، بهذه الطريقة، أهميَّة كبرى، على الأخصّ عندما يجب القيام بمهمَّات كبيرة تستوجب تضافر الجهود واستعمال وسائل فنيّة. وليس عمل الأفراد بأقّل قدرًا، على الأخص عندما يقوم به أشخاص يقبلون على مختلف أنواع الأمراض والآلام البشريَّة، فيعملون على التخفيف منها شخصيًّا بعمل فرديّ. وأمّا المساعدة العائليَّة، فتعني إمّا مبادرة القريب من أعضاء العائلة الواحدة بأعمال المحبَّة، وإمّا المساعدة المتبادلة بين العائلات.

 

وليس من السَّهل تعداد جميع أنواع نشاط "السَّامريّ الصَّالح" هنا، ولا مختلف حقوله في الكنيسة والمجتمع البشريّ. غير أنّه لا بدّ من الإقرار بأنّها كثيرة، ومن الإعراب عن مشاعر الفرح لكون القيم الأدبيّة الأساسيّة، من مثل قيمة التضامن بين الناس، والمحبَّة المسيحيّة للقريب، تصوغ، عبر أنواع هذا النشاط، وجه الحياة الإجتماعيّة والعلاقات بين الناس، في حين يشوّهه، في هذا المجال، مختلف أنواع البغض، والعنف، والقسوة، واحتقار الإنسان، أو فقط "إهمال القريب" أي اللّامبالاة به وبآلامه.

 

ومن الأهميّة بمكان التشديد هنا على ما يجب الأخذ به من مبادئ في التربية. وعلى العائلة، والمدرسة، وسائر المؤسَّسات المعنيّة بالشؤون التربويَّة – ولو فقط لأسباب إنسانيَّة – أن تسعى دائبة إلى إيقاظ هذه الرّقة من المشاعر تجاه القريب وآلامه، والعمل على تنميتها.

وقد أصبح هذا السَّامري الإنجيليّ صورة عنها. وواضح أنَّ على الكنيسة أيضًا أن تعمل – وإذا أمكن بطريقة أعمق – على استكشاف الأسباب التي أعطاها المسيح في هذا المثل وفي الإنجيل بكامله. وترتكز أهميّة مثل السَّامري الصَّالح كالإنجيل بمجمله، قبل كلّ، على هذا وهو: أن على الإنسان أن يشعر بأنّه مدعو إلى القيام بدور أساسيّ في مجال تأدية شهادة المحبَّة في الألم.

 

ولا شكّ في أن للمؤسَّسات أهميّتها ولا غنى عنها، غير أنّه ما من مؤسّسة تستطيع بذاتها أن تقوم مقام القلب البشريّ، والعاطفة الإنسانيَّة، عندما يجب الذهاب إلى مُلاقاة ألم الغير. وهذا يصحّ في آلام الجسد، لكنّه يصحّ بأولى حجّة في الآلام المعنويّة، وعلى الأخص، في آلام النفس.

 

 إنَّ مثل السامري الصَّالح الذي – على ما قلنا – يندرج في إطار إنجيل الألم، يخترق مع الإنجيل تاريخ الكنيسة والمسيحيّة، وتاريخ الإنسان والبشريّة. وهو يشهد أنَّ ما كشف عنه المسيح من معنى الألم الخلاصيّ ليس، في أيّ حال، مرادفًا للامبالاة. لا بل أن العكس هو الصَّحيح.

 

والإنجيل يحارب اللامبالاة حيال الألم. والمسيح في هذا المجال فعّال جدًّا. وهكذا فإنه ينفّذ مخطّط رسالته المسيحاني، على ما يقول النبي: "روح الربّ عليّ، ولهذا مسحني، لأبشّر المساكين، وأرسلني لأنادي للمسبييّن بالأفراح، وللعميان بالبصر، وللمأسورين بالتخلية، وأعلن السنة المقبولة للربّ" (لو 4، 18 – 19؛ أشعيا 61، 1 – 2). وقد أتمّ المسيح هذا المخطّط المسيحاني في رسالته على أكمل وجه: فمرّ وهو "يحسن إلى الناس" (أعمال 10، 38)، وتبرز مآتيه الخيّرة بالتخفيف من الآلام البشريَّة. وينسجم مثل السامري الصالح كل الإنسجام مع تصرّف المسيح عينه.

 

ويندرج أخيراً هذا المثل، من حيث موضوعه الأساسي، في عبارات الدينونة الأخيرة التي تضطرب لها النفس، والتي أوردها متّى في إنجيله: "هلمّ يا مباركي أبي، رثوا الملك المعدّ لكم من قبل إنشاء العالم. لأني جعت فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني، وكنت غريباً فآويتموني، وعرياناً فكسوتموني، ومريضاً فعدتموني، ومحبوساً فزرتموني" (متّى 25، 34 – 36). ويجيب ابن الإنسان الأبرار الذين سألوه متى صنعوا له هذا كلّه، بقوله: "الحقَّ أقول لكم: إن كلّ ما صنعتموه إلى أحد إخوتي هؤلاء الصغار، فإليّ صنعتموه" (متّى 25، 40). ويصدر حكماً مخالفاً على الذين تصرّفوا خلاف ذلك، فيقول: "إن ما لم تصنعوه إلى أحد إخوتي هؤلاء الصغار، فإليّ لم تصنعوه" (متّى 25، 45).

 

ويمكن، على وجه التأكيد، إطالة لائحة الآلام التي أثارت مشاعر التعاطف الإنساني والشفقة، والمساعدة، أو إنّها لم تثرها. وأعلانا السيد المسيح الأول والثاني، بشأن الدينونة الأخيرة، يشيران، دونما إبهام وبكلّ وضوح، إلى كم هو هامّ – نظراً إلى الحياة الأبدية بالنسبة إلى كل إنسان – هذا "التوقف"، على مثال ما فعل السامري، على آلام القريب، و"الشفقة" عليه، وأخيراً مساعدته.

 

ووجود الألم في العالم، في مخطّط المسيح المسيحاني، الذي هو مخطّط ملكوت الله، من شأنه استثارة مشاعر المحبَّة، والحثّ على نشاطات محبَّة في جانب القريب، وتحويل الحضارة الإنسانية، إلى "حضارة محبَّة". وفي هذه المحبَّة، يتحقّق تمامًا معنى الألم الخلاصيّ، ويبلغ مداه الأخير.

 

وكلام السيِّد المسيح، في الدينونة الأخيرة يشرح هذا كلّه ببساطة الإنجيل ووضوحه التام.

وهذه الأقوال في المحبّة، وأعمال المحبّة المرتبطة بالألم البشريّ، تكشف لنا مرّة جديدة عن أنّ آلام المسيح الفادية تكمن في جميع الآلام البشريّة. لقد قال المسيح: "إليّ صنعتموه". إنّه هو من يختبر المحبّة، في كلِّ إنسان، وهو من يتلقّى المساعدة، عندما تحمل هذه إلى كلِّ شعب، دونما تمييز. وهو حاضر في من يتألمّ، لأن ألمه الخلاصيّ قد امتدّ، مرّة وإلى الأبد، إلى كلِّ الأبد، إلى الاشتراك في "آلام المسيح" (1 بطر 4، 13). وكذلك إنّهم جميعًا ملزمون "بإتمام" "ما ينقص من آلام المسيح" (كولوسي 1، 24) بآلامهم. لقد علّم المسيح، في الوقت عينه، الناس أن يصنعوا الخير بواسطة الألم، وأن يصنعوا الخير لمن يتألّم. ومن هذا الباب المزدوج أطلّ علينا بمعنى الألم العميق.

 

ممّا لا شكّ فيه أنَّ الألم هو من سرّ الإنسان. لعلّ الألم لا يلّفه هذا السرّ المغلّف بإحكام، كما يلّف الإنسان. وقد أعلن المجمع الفاتيكاني الثاني هذه الحقيقة بقوله: "في الحقيقة لا ينجلي سرّ الإنسان تماماً إلّا في سرّ الكلمة المتجسّد... لأنَّ المسيح، آدم الجديد، أظهر، تمامًا لدى كشفه عن سرّ الآب ومحبَّته، الإنسان للإنسان وأوضح له دعوته السامية" (المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، دستور رعوي في الكنيسة في عالم اليوم، فرح وأمل، عد 22).

 

وإذا كان هذا القول يتناول كلّ ما يتعلّق بسرّ الإنسان، فهو يتناول، على وجه الخصوص، الألم البشريّ. ومن الضرورة، في هذا المجال، أن "يظهر الإنسان للإنسان، وتتّضح له دعوته السامية". قد يحدث – وهذا ما يثبته الاختبار – أن يكون في ذلك صعوبة بالغة. لكن إذا تحقّق ذلك وانعكس نوره على الحياة البشريّة، كان مصدر سعادة. "بالمسيح وفي المسيح ينجلي لغز الألم والموت" (المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، دستور رعوي في الكنيسة في عالم اليوم، فرح وأمل، عد 22).

 

  

البابا يوحنا بولس الثاني - 1984

من الرسالة الرسولية " الألم الخلاصيّ"