من هو المسيح الملك؟

أضواء

من هو المسيح الملك؟




الملك الرّاعي

يقول الرّب، بلسان النبيّ حزقيال: "هاءنذا أنشد غنمي وأفتقدها أنا. كما يفتقد الرّاعي قطيعه كذلك أفتقد أنا غنمي وأنقذها من جميع المواضع التي شُتّتت فيها يوم الغمام والضباب... وآتي بها إلى أرضها، وأرعاها في جميع مساكن الأرض. في مرعى صالحٍ أرعاها، وتربض في حظيرةٍ صالحة وترعى في مرعًى دسم. أنا أرعى غنمي وأنا أربضها، فأتطلّب المفقودة، وأردّ الشاردة، وأجبر المكسورة، وأقوّي الضّعيفة، وأحفظ السّمينة والقويّة وأرعاها بعدل... هاءنذا أحكم بين نعاجٍ ونعاجٍ، بين الكباش والتيوس" (34/ 11-17).


هذا الملك الرّاعي، يسوع المسيح، يقود رعيّته إلى "المرعى الصّالح"، أي المحبّة التي تتّفق في هذا العالم الفاني، عالم الصّليب، وتزدهر في العالم الباقي، عالم القيامة: "إن كنّا نرجو المسيح في هذه الدنيا وحسب، فنحن أتعس الناس أجمعين. ولكن لا فالمسيح قام من بين الأموات وصار بكر الراقدين... وكما أنّه بآدم يموت جميع الناس، كذلك بالمسيح جميعهم يحيون. فالمسيح كان الأوّل، ثم الذين هم للمسيح" (1 كور 15/ 19-23).


هذا الملك الرّاعي الذي بذل نفسه عن الخراف والذي "يسير أمامها" بعد أن يكون قد "دعاها بأسمائها"، هلّا ميّزنا "صوته" بين أصوات "السّراق واللصوص والأجراء" من أصحاب البدع (يو 10/ 1-12)، كي نتبعه حيث يقودنا؟


هذا الملك الرّاعي له أيضًا "خراف أخرى ليست من هذه الحظيرة" (يو 10/ 16). فهّلا تجنّدنا للعمل الرّسولي، أقلّه بالصّلاة والإرشاد والمثل الصّالح؟...


الملك المنتصر


الملك الرّاعي يوفّر الحياة لرعيّته ويُقصي عنها خطر الموت. لكن ذلك لن يكون إلّا بانتصاره على "رئاساتٍ وقوّاتٍ غريبة شيطانيّّة تناهض ملكوته". فعليه أن "يضع جميع أعدائه تحت قدميه. وآخر عدوّ يُباد هو الموت" (1 كور 15/ 24-26).

هذا الملك المنتصر حتمًا، ألا فلنضع فيه ّ ثقتنا كلّها، ورجائنا كلّه، ومحبّتنا كلّها!


الملك الخادم


ملكُ المسيح هو لخدمة الآب الذي يريد أن يكمّل به الخلق والتّكوين. فالمسيح صاحب رسالة. رسالته؟ بعد أن يُخضِع الآبُ "كلّ شيء تحت قدميه"، أن "يُخضِع للآب كلّ شيء، ليكون الله كلًا في الكلّ" (1كور 15/ 27-28).


إذًا، خدمة المسيح هذه سائرة حتمًا إلى التوفيق، وعلى العالم أن يدرك ذلك تمامًا وإلّا أباد نفسه بنفسه! العالم إمّا "يكون" بالله ولله، وإمّا لن "يكون" ...

ملك المسيح وسلطانه هما للخدمة، خدمة أبيه وخدمة الإنسان أخيه، لا لخدمة ذاته.

جاع في البرّية فقال له الشيطان: "إن كنت ابن الله فقل لهذه الحجارة أن تصير خبزًا". فأجابه:

"ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان..." (متى 4/ 4). وظلّ جائعًا...

"إن كنت ابن الله، إن كنت الملك الآتي، فانزل عن الصّليب" (متى 27/ 40، 42) ولم ينزل...

"إن كنت أنت المسيح، فنجّ نفسك ونجّنا نحن أيضًا" (متى 27/ 39). ولم يفعل...

لا، سلطانه ليس فيه شيء من الاستغلال أو التسلّط أو حبّ الظهور: "رؤساء الأمم أسيادها، وعظماؤها مسلّطون عليها. فلا يكن الأمر بينكم هكذا، بل من أراد أن يكون فيكم كبيرًا فليكن لكم خادمًا، ومن أراد أن يكون فيكم الأوّل فليكن لكم عبدًا. كذلك ابن الإنسان، فإنّه لم يأتِ ليُخدَم بل ليخدُم ويبذل نفسه فدىً عن الكثيرين" (متى 20/ 25-28).


هذا الملك الخادم، هلّا اقتدينا به في المؤسّسات العائليّة، والاجتماعيّة، والعمّاليّة، والمدرسيّة، والكنسيّة، والوطنيّة؟


الملك الديّان


بعد أن يكون المسيح قد "أخضع للآب كلّ شيء"، وأبطل "كلّ رئاسة وكلّ سُلطان وكلّ قوّة"، وأباد "الموت آخر عدوّ"، وقبل أن يُخضِعَ نفسه للآب واضعًا بين يديه كلّ شيء "ليكون هو الكلّ في الكلّ"، سوف "تُحشر لديه الأمم" للدينونة العامّة والنهائيّة...

والمسيح الملك الديّان لن يعترف - وشأنه في ذلك شأن كلّ ملك - إلّا بمن اعترف به جهرًا أو ضمنًا، ولن يكافئ إلّا من خدمه في شخص القريب، بإيمان واضح كان أم بلا إيمان واضح، إذ إنّ التدبير الإلهيّ هو أن تزدهر المحبّة والتضامن والحرّية والاحترام والالتزام الرسوليّ والاجتماعيّ.


إنّها كما تُسْتوحى من كلام اللّص التائب (لو 23/ 40-44)

مخافة الله "أفلا تخشى الله؟ والإيمان "أفلا تخشى الله وأنت مشترك في الحكم نفسه؟" والتواضع والاعتراف "نحن كما نستحقّ جوزينا بأعمالنا" والصّلاة  "أذكرني يا ربّ متى أتيت في ملكوتك!".


الأب جميل نعمة الله السقلاوي اللعازري