قداسة الكنيسة

أضواء

قداسة الكنيسة

الكنيسة شبكة القيت في البحر وجمعت من كل الأجناس، تحوي الابرار والخطأة، ولكنها تبقى مقدسة برأسها يسوع المسيح. هناك في الكنيسة  وجهان: الوجه الالهي الذي لا يتبدّل والوجه الانساني الذي يتبدّل ويحمل التجاعيد ويتطّور مع الزمن، والوجه الإلهي هو كامل ويفوق إدراكنا البشري.

أسّس المسيح كنيسته على سمعان الذي حّوله إلى بطرس "الصخرة"، جعل من سمعان، الرجل العادي البسيط المتزعزع، أساساً لا يتزعزع لكنيسةٍ أبدية، تقف في وجه كل قوى التجارب وكل حملات قوى الموت المعارضة لفكر المسيح وإرادته.

"من يقول الناس إني أنا ابن الانسان؟" يأتي هذا الحدث في نهاية رسالة يسوع في الجليل. بعدها سيصعد إلى أورشليم حيث سيصلب ويُمجّد. هذه مهمة في حياة الكنيسة التي ترد هنا للمرة الاولى في الانجيل: "أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة سأبني بيعتي". بهذا تعرف الكنيسة أنها كنيسة الرب كما تدرك أيضاً أهمية دور بطرس فيها.

يرى الكثيرون في يسوع نبياً ومعلماً، ويسوع أكّد أنه المعلّم الأوحد. فهم العديدون أهمية شخصيته وتعليمه، لكن نجد اختلافات عديدة في فهم شخص يسوع وهويته.هناك من يرى فيه صانع الخير والمحرّر. وما زال يسوع حتى اليوم يحيّر الناس وما زالت هويته وحتى بين المؤمنين خفيةً على الكثيرين. ما يقوله الناس غير كافٍ، ولا يجدر بالتلاميذ الاكتفاء به.

ما يريده الله منّا هو أن ندخل الى العمق، فنقبل أن ندخل سّره بالذات، متحررين من أفكارنا البالية وتصوراتنا المشوهة لما نريده أن يكون. هذا هو جواب بطرس على سؤال المسيح، ولكي ندرك نحن سر يسوع، علينا أن ندخل في سر الله ونعرف الله وفكره فنفهم سر هوية ابنه.

يقول القديس بولس في رسالته الى أهل أفسس: "فتستطيعون إذا ما قرأتُم ذلك، أن تدركوا تفّهمي سّر المسيح" (أف3/4). وهذا ما يدعونا إليه القديس بولس أن نسأل ذواتنا: ما مدى معرفتنا لفهم سّر المسيح؟ وإذا كنّا نعرفه فكيف نعيشه وكيف نشهد له؟

ويقول سقراط:"إن الحياة التي ينقصها التفكير المركّز لا تستحق أن تُعاش".فحياتنا المسيحية تتطّلب التفكير والوعي والبحث الدؤوب عن حقيقة الله التي ظهرت في يسوع المسيح: عندما أدرك أستطيع أن ألتزم وعندما ألتزم أصبح شاهداً حقيقياً.

في علاقتنا مع الله يجب أن نعي أن هناك عاملين خطرَين، العامل الاول هو العامل النفسي: أن نكتشف الله مثلما نحن نريد. والعامل الثاني وهو العامل الاجتماعي وهو أن أكتشف الله  حسب الجّو العام الذي أنا أنتمي إليه.

إن العلاقة الحقيقية مع الله تبقى خارج هذين العاملين: النفسي والاجتماعي. نحن مدعوون الى اكتشاف الله كما اكتشفه القديس بطرس:"أنت ابن الله الحي".إن العالم الذي نعيش فيه سوف يراهن على قناعتنا المسيحية ويورثنا قناعات مزيفة وصوراً مشّوهة ليست من روح الله، بل من روح هذا العالم.

أن يكون لديك إختبار مع الله هذا أمر مفترض من تكوين كل إنسان بشري، هذا منحى طبيعي ولا مفر منه وهو مرتبط بعلاقة شخصية مع الله، وبدون هذا الارتباط لا يوجد معرفة أو إختبار حسّي. هذا الاكتشاف لا يمكن أن يكون إلا من خلال الكتب المقدسة والكنيسة.

إن اكتشاف الذات يؤدّي حتماً الى اكتشاف الله، لذلك يمكن أن نكتشف الله دون أن نكتشف ذواتنا. لذلك لا نستطيع أن نفصل بين معرفة الله ومعرفة الذات.

الإنسان المسيحي هو من يعيش في حالة بحث مستمر ومحاولة اكتشاف الله من خلال كل الاحداث والاشخاص. التاريخ إمتحان لنا والابدية مدخلها من هنا، فالخدعة الكبيرة في التاريخ هي أن لا نلتقي ونشهد له كما شهد له القديس بطرس.

أن أكتشف سّر يسوع يبقى أمر شديد الصعوبة يتطّلب الكثير من البحث والعناء، ونحن مدعوون أن نكتشفه في صعوبة حياتنا، وهذا ما نراه ظاهراً في كل صفحات الكتاب المقدس، "إن ملكوت الله يُغصب والغاصبون يختطفونه". لأن العالم الذي نعيش فيه سيقف دوماً في وجهنا... فعلى الرغم من أننا ننتمي إلى كنيسة تعيش في العالم، مؤلفة من أناس ضعفاء وخطأة، يدعونا يسوع لكي نكتشف هويتنا الحقيقية في ضوء إيماننا واعترافنا به.

كنيستي هي التي تعطيني هويتي، هي أمي ولو تجعّد وجهها وانحنت بسبب حملها الصليب؛ أحّبها لأنها أمي في شبابها وشيبها في ضعفها وقوتها، في أخطائها وبرارتها. هي تبقى مقدسة لأن مؤسسها  هو قدّوس.

كيف أقيّم إلتزامي بكنيستي، هل أنا سعيد بالانتماء إليها أو أفضّل العيش منفرداً؟

كيف أتعامل مع المسيح؟ هل اكتشفته كما اكتشفه القديس بطرس؟ هل التقيته، وإذا كنت قد التقيته ما هو الأثر الذي تركه فيّ؟

الأب نبيل حبشي