سنة الإيمان: الكنيسة هي أم للمسيحيين

أضواء

سنة الإيمان: الكنيسة هي أم للمسيحيين

أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول:

الأخوات والإخوة الأحباء، صباح الخير!

أعود اليوم أيضا إلى صورة الكنيسة كأم. يعجبني كثيرا تشبيه الكنيسة كأم هذا، ,من أجل هذا أردت العودة مجددة له، لأنه يبدو لي أنه لا يخبرنا فقط عن ماهية الكنيسة، بل وعن الوجه الذي يجب على الكنيسة أن تتحلى دائما به، هذه كنيسة أمنا.

أودُّ التوقف عند ثلاثة أمور، ناظراً دائما إلى أمهاتنا، وإلى كل ما يقمنَّ به، وما يعيشهنَّ، وآلامهنَّ من أجل ابنائهنَّ، مكملا بذلك ما ذكرته يوم الأربعاء المنصرم. وأنا أتسأل: ما الذي تقوم به أي أم؟

إنها قبل كل شيء تعلّم السير في الحياة، تعلم المشي للأمام بطريقة جيّدة، تعرف كيف تُرشد ابنائها، تسعى دائما في إرشادهم إلى الطريق الصحيح في الحياة للنمو ولبلوغ النضوج. وهي تقوم بذلك بحنان، وبمودة، وبمحبة، حتى عندما يتوجب عليها تقويم طريقنا، عندما نتخبط قليلا في سيرنا أو عندما نضل الطريق وننحدر نحو الهاوية. فالأم تعرف جيدا ما هو الشيء الضروري كي يسير ابنها في الحياة بطريقة جيدة، وهي تعرف هذا لا لأنها قرأته في الكُتب، بل لأنها تعلمته من قلبها. فعالمية الأمهات هي قلبهنَّ! فهناك يتعلمنَّ كيفية دفع ابنائهن للأمام.

تقوم الكنيسة بالشيء عينه: توجه حياتنا، وتمنحنا الإرشادات لنسير بطريقة جيدة. لنفكر في الوصايا العشر: فهي وصايا ترشدنا إلى الدرب الواجب نهجه للوصول للنضوج، وللحصول على مراجع ثابتة نستند إليها في تصرفاتنا. هذه الوصايا هي ثمرة حنان، ومحبة الله الذي أعطانا اياها. قد تقولوا لي: ولكنها أوامر! فهي مجموعة نواهي "لا"!

وهنا أرغب في دعوتكم لقراءتها مجددا – فقد تكونوا قد نسيتموها – ثم أن تتأملوا فيها بطريقة إيجابية. وستكتشفون أنه تتعلق بطريقة تصرفنا مع الله، وتجاه أنفسنا، وتجاه الآخرين، تماماً كالذي تعلمنا إياه الأم كي نعيش بطريقة حسنة. فالوصايا تدعونا لعدم صنع الأوثان المادية التي تجعلنا عبيدا فيما بعد، وتدعونا لتذكر الله، ولاحترام الوالدين، ولأن نكون شرفاء، ولاحترام الآخر...

حاولوا النظر إليها من هذا المنظور واعتبارها وكأنها الكلمات، والإرشادات التي تعطيها الأم للمضي قدما في الحياة بطريقة صالحة. فالأم لا تعلم أبدا أشياء شريرة، ولا تريد سوى خير ابنائها، وهكذا تفعل الكنيسة.

أودُ أن أقول لكم شيئا آخر: عندما يكبر الابن، ويصبح ناضجا، ويسلك طريقه، ويتحمل مسؤولياته، ويمشي معتمدا على نفسه، ويفعل ما يشاء، يحدث أحيانا أنه يضل الطريق، وقد يقع ضحية لحادث ما. إن الأم دائما، وفي كل الأحوال، تملك صبر الاستمرار في مرافقة الابناء. إن ما يدفها للاستمرار هو قوة الحب؛ فالأم تعرف دائما أن ترافق بفطنة، وبحنان مسيرة الأبناء وحتى عندما يخطئون، فهي تجد دائما الوسيلة المناسبة للتفهمهم، ولتكون قريبة ولتساعد. نحن نقول – في مسقط رأسي - إن الأم تعرف أن تقدم "كل نفيس" (“dar la cara”). ماذا يعني هذا؟

يعني أن الأم تعرف أن "تأخذ على عاتقها كامل المسؤولية" من أجل ابنائها، أي أنها مدفوعة دائما للدفاع عنهم، دائما. يتوجه فكري الآن إلى الأمهات اللواتي يتألمنَّ من أجل ابنائهنَّ المسجونين أو الذين  يمرون بظروف عصيبة: فهنَّ لا يتساءلنَّ أبدا إن كانوا مذنبين أو غير مذنبين، ويستمرنَّ في محبتهم ويتحملنَّ أحيانا الإزلال والإهانة، لكنهنَّ لا يخفنَّ ابدا ولا يتوقفنَّ مطلقا عن بذل أنفسهنَّ كلية. الأمهات يعرفنَّ التضحية "حتى بسمعتهنَّ" من أجل ابنائهنَّ.

هكذا هي الكنيسة أيضًا، فهي أم رحومة، تتفهم، وتسعى دائما للمساعدة، وللتشجيع حتى تجاه ابنائها الذين أخطأوا أو الذين يخطئون فهي لا تغلق مطلقًا ابواب البيت؛ ولا تدين، بل تقدم غفران الله، ومحبتها التي تدعو إلى العودة للطريق حتى لأبنائها الذين سقطوا في هوة عميقة، فالأم لا تخاف من الدخول في عمق ليلهم لتمنحهم رجاء؛ الكنيسة لا تخاف من الدخول في ليلنا عندما نسقط في ظلام النفس والضمير، لتمنحنا الرجاء! لأن الكنيسة هي أم!

فكرة أخيرة: تعرف الأم أيضا أن تسأل، وأن تقرع على كل الأبواب من أجل أبنائها، بدون حسابات، وتقوم بذلك بمحبة. أفكر في كيف أن الأمهات يعرفنَّ القرع على الأبواب وخاصة على باب قلب الله! فالأمهات يصلينَّ كثيرا من أجل ابنائهنَ، لا سيما من أجل الأكثر ضعفًا، ومن أجل الأكثر احتياجًا، ومن أجل الذين سلكوا في الحياة دروبا خطيرة أو خاطئة.

لقد احتفلت منذ بضعة أسابيع بالقداس الإلهي في كنيسة القديس أغسطينوس، بروما، حيث تحفظ ذخائر أمه، القديسة مونيكا. كم من الصلوات رفعتها إلى الله تلك الأم القديسة من أجل أبنها، وكم من الدموع ذرفتها! أفكر بكنَّ، أيتها الأمهات العزيزات: أنتنَّ اللواتي تصلينَّ من أجل أبنائكنَّ، بدون كلل! استمرنَ في الصلاة، وفي استوداع ابناءكن بين يدي الله؛ فما أعظم قلبه! إقرعنَ على باب قلب الله بالصلاة من أجل أبنائكنَّ.

هذا هو عينه ما تقوم به الكنيسة أيضًا: فهي، بالصلاة، تضع بين يدي الرب جميع أوضاع ابنائها. لنثق في قوة صلاة أمنا الكنيسة: فأمامها لا يبق الرب غير مبال! وهو يعرف كيف يفاجئنا عندما لا يخطر ذلك على بالنا! الكنيسة الأم تعرف هذا جيدا!

كانت هذه هي الأفكار التي شئت أن اشارككم بها اليوم: لنرى في الكنيسة أما صالحة ترشدنا الطريق الواجب أن نسلكه في الحياة، وهي تعرف كيف تكون حليمة، ورحومة، ومتفهمة، وتعرف كيف تضعنا بين يدي الله. شكرًا.

كلمات قداسة البابا للأشخاص الناطقين باللغة العربية:

الأخوات والإخوة الأحباء الناطقون باللغة العربية خاصة أنتم يا أساقفة الكنيسة اللاتينية القادمون من الأراض المقدسة ومن سوريا ومن الأردن ومن العراق ومن لبنان ومن مصر ومن الصومال ومن دول الخليج: كما أن الأم تعرف أن تتضرع، وأن تقرع على كل الأبواب من أجل أبنائها، بدون حسابات، وبمحبة، فهكذا أيضا الكنيسة: فهي تضع بين يدي الرب، عن طريق الصلاة، جميع أوضاع ابنائها. لنثق دائما في قوة صلاة الكنيسة، لأن الرب لا يبق أبدا غير مبال أمام تضرعات كنيسته! وأمنح لكم جميعا البركة!

إن الكنيسة هي أمنا لأنها تعلمنا السير في الحياة، وهي تقوم بذلك بحنان وبمودة، بمحبة وقوة. ومن ثمَّ فوصايا الله ووصايا الكنيسة ليست هي مجموعة نواهي لتقيّد حريتنا بل هي إرشادات ضرورية لتوجهنا نحو بلوغ النمو والنضوج. فالأم لا تعلم ابدا أشياء شريرة، ولا تبغي سوى خير ابنائها.

وكما أن حب الأم ليس مقرونا ابدا باستحقاقات ابنائها فهكذا حب الكنيسة، التي تسعى دائما للمساعدة، وللتشجيع، ولا تغلق مطلقا ابواب البيت، حتى أمام ابنائها الذين يخطئون؛ ولا تدين، بل تمنح غفران الله، وتقدم محبتها، ولا تخاف من الدخول في عمق ليل ابنائها لتمنحهم الشفاء ولتشعل فيهم نورَ وقوة الرجاء.

إذاعة الفاتيكان