"لا يمكننا أن نصنع السّلام الحقيقيّ لأنّه عطيّة من الرُّوح القدس" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القدِّيسة مرتا بالفاتيكان وقال إنّ السّلام بدون الصّليب ليس سلام يسوع وذكّر في هذا السياق أنّ يسوع وحده قادر على منحنا السَّلام وسط الشدائد والصعوبات.
"السَّلامَ أَستَودِعُكُم، وسَلامي أُعطيكم" تمحورت عظة الأب الأقدس حول كلمات يسوع هذه التي تقدّمها لنا الليتورجيّة اليوم في إنجيل القدّيس يوحنّا (14/ 27-31) وهي الكلمات التي وجهّها يسوع لتلاميذه خلال العشاء الأخير.
توقّف الحبر الأعظم في عظته عند معنى السّلام الذي يعطينا الرّبّ إيّاه والذي يختلف تمامًا عن السّلام الذي يعطيه العالم، وقال إنّ السّلام الذي يعطيه العالم هو سلام بلا مضايق وشدّة لأنّ العالم يقدّم لنا سلامًا اصطناعيًّا، سلام ليس إلا مجرّد نوع من السّكينة لأنّه سلام يرتبط بالضمانات الشخصيّة والرفاهيّة تمامًا كسلام ذاك الرّجل الغنيّ الذي يخبرنا عنه يسوع في مثل الغنيّ ولعازر، وبالتالي فهذا السّلام هو مجرّد سكينة تجعلنا ننغلق في ذواتنا فلا نرى أبعد من أنفسنا.
يعلّمنا العالم درب السّلام بواسطة المخدِّر، يخدّرنا لكي لا نرى الواقع الآخر أي الصّليب. لذلك يقول القدّيس بولس (أعمال الرسل 14/ 22): "يَجِبُ علَينا أَن نَجتازَ مَضايِقَ كَثيرة لِنَدخُلَ مَلَكَوتَ الله"، ولكن هل يمكننا أن ننعم بالسّلام وسط المضايق؟ من جهّتنا لا يمكننا أن نصنع سلامًا وسط المضايق لاسيّما وأنّ هناك من يتألّم أو من يعاني من مرض ما أو من يموت... أمّا السّلام الذي يُعطيه يسوع فهو هبة: إنّه عطيّة من الرّوح القدس، وهذا السَّلام يسير قدمًا وسط المضايق والشّدائد.
سلام الله هو عطيّة تجعلنا نسير قدمًا، ويسوع بعد أن أعطى السّلام لرسله تألّم في بستان الزّيتون، وهناك قدّم كلّ شيء لكي تتمّ مشيئة الآب وبالتالي نال تعزية الله كما يُخبرنا الإنجيل "تَراءَى له مَلاكٌ مِنَ السَّماءِ يُشَدِّدُ عزيمَتَه".
سلام الله هو سلام حقيقيّ، يقوم في واقعيّة الحياة ولا يُنكر الحياة أي أن نقبل الحياة هكذا كما هي: مع الألم والمرض والعديد من الأمور السيّئة والحروب... ولكن ذاك السّلام الداخليّ والذي هو عطيّة من الله لا يمكننا أن نفقده أبدًا بل يجعلنا نسير قدمًا حاملين الصّليب والألم. إن السّلام بدون الصّليب ليس سلام يسوع وبالتالي هو سلام يمكن شراؤه وصنعه ولكنّه سلام لا يدوم!
عندما يغضب المرء يفقد سلامه، وعندما أشعر بالقلق في داخلي فذلك لأنّني لست منفتحًا على سلام يسوع ولأنني لست قادرًا على قبول الحياة كما هي بالصلبان والآلام التي تحملها.
لذلك ينبغي علينا أن نطلب من الرّبّ نعمة سلامه: "يَجِبُ علَينا أَن نَجتازَ مَضايِقَ كَثيرة لِنَدخُلَ مَلَكَوتَ الله"، ولذلك نحن بحاجة لنعمة السّلام ولئلا نفقد سلامنا الداخليّ، يقول أحد القدّيسين في هذا السِّياق: "حياة المسيحيّ هي مسيرة بين اضطهادات العالم وتعزية الله"، ليمنحنا الرَّبُّ النعمة لنفهم جيّدًا كيف هو هذا السّلام الذي يهبنا هو إيّاه بواسطة الرّوح القدس!
إذاعة الفاتيكان.