ترأس قداسة البابا فرنسيس صباح يوم الجمعة القدّاس الإلهيّ في المركز الصناعيّ في الفاتيكان وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة قال فيها:
في إنجيل متى (9/9 -13) رأى يسوع رجلاً اسمه متى جالسًا في بَيتِ الجِبايَة، لقد كان عشَّارًا وكان يعتبر من أسوأ النّاس لأنّ هؤلاء الأشخاص كانوا يجبون الضرائب من شعبهم ويرسلونها إلى الرّومان ولكنّهم كانوا يحتفظون أيضًا بجزء منها: لقد كانوا يبيعون حريّة البلاد ولذلك كان النّاس يكرهونهم. لقد كانوا خونة للبلاد. لكنّ يسوع دعاه، رآه ودعاه. لقد اختاره رسولاً... وبالتالي دعاه متّى ليأكل في بيته وكان فرحًا.
عندما كنت أُقيم سابقـًا في "Via della scrofa" كنت أذهب إلى كنيسة القدّيس لويس للفرنسيِّين لأنظر إلى لوحة ارتداد متّى للفنان "Caravaggio"، والذي يصوّره متمسِّكًا بالمال ويسوع يشير إليه بإصبعه... يسوع يختاره ويدعو للطعام جميع العَشّارينَ وَالخاطِئين، ولَمّا رَأى الفِرّيسِيّونَ ذَلِكَ، قالوا لِتَلاميذِهِ: "لِماذا يَأكُلُ مُعَلِّمُكُم مَعَ العَشّارينَ وَالخاطِئين؟"؛ فَسَمِعَ يَسوعُ كَلامَهُم، فَقال: "ما جِئتُ لأدعُوَ الأَبرار، بَلِ الخاطِئين".
وهذا الأمر يعزيني جدًّا لأنّه يجعلني أفكّر أن يسوع قد جاء من أجلي، لأنّنا جميعنا خطأة وكلّ فرد منّا يعرف ما هي خطيئته الكبرى وما هو ضعفه. وبالتالي ينبغي علينا جميعًا أن نعترف أوّلاً أنّه لا يمكن لأي منّا أن يقول "أنا لست خاطئًا". لقد كان الفريّسيون يعتبرون أنفسهم أبرارًا ولذلك كان يسوع يدينهم، لقد كانوا متكبّرين ومغرورين ويعتقدون أنفسهم أفضل من الآخرين. لكنّنا جميعنا خطأة وهذه هي الإمكانيّة التي نملكها لاجتذاب يسوع نحونا، لأنّ يسوع يأتي إلينا لأنّنا خطأة.
إنّ يسوع قد جاء من أجل الخطأة وليس من أجل الأبرار، لأنّ الأبرار ليسوا بحاجةٍ إليه، ويسوع يقول "لَيسَ الأَصِحّاءُ بِمُحتاجينَ إِلى طَبيب، بَلِ المَرضى. فَهَلا تَتَعَلَّمونَ مَعنى هَذِهِ الآيَة: "إِنَّما أُريدُ ٱلرَّحمَةَ لا ٱلذَّبيحَة"، فَإِنّي ما جِئتُ لأدعُوَ الأَبرار، بَلِ الخاطِئين". وعندما أقرأ هذه الكلمات أشعر أنّ يسوع يدعوني وهذا ما يمكن لكلِّ فردٍ منّا أن يقوله: يسوع قد أتى لأجلي! هذه هي تعزيتنا وثقتنا: هو يغفر لنا على الدوام ويشفي نفوسنا على الدوام.
قد يقول لي أحدكم: "ولكن يا أبتي أنا ضعيف وقد أسقط مجدّدًا" إنّ يسوع هو الذي سيُنهضك ويشفيك! هذه هي تعزيتنا: يسوع قد جاء لأجلي كي يمنحني القوّة ويُسعدني ويريح ضميري. فلا تخف إذًا في الأوقات الصعبة وعندما تشعر بثقل الأمور التي قمت بها وثقل سقطاتك... فكّر أنّ يسوع يحبّك هكذا كما أنت!
تأتي إلى ذهني مرحلة من حياة القدّيس إيرونيموس الذي تميّز بطباع صعبة ولكنّه كان يسعى على الدوام ليكون وديعًا، وبالتالي تمكّن من أن يسيطر على طبعه وكان يقدّم للرَّبِّ كلَّ ما يقوم به خلال نهاره، عمله وصلاته، وفي أحد الأيّام سأل الله قائلاً "ماذا تريد مني بعد؟" أجابه الرَّبّ: "لم تعطني كلّ شيء بعد!"، فانزعج إيريناوس وقال: "كيف يكون ذلك يا ربّ إذ أنني قدّمت لك كذا وكذا..."؛ "نعم، أجابه الرَّبّ ولكن ينقص أمرٌ واحد! لم تعطني خطاياك!". ما أجمل أن نسمع هذه الكلمات: "أعطني خطاياك وضعفك وأنا أشفيك!".
لنفكّر اليوم في أوّل جمعة من الشّهر بقلب يسوع كي يجعلنا نفهم هذا الأمر الجميل: هو الذي يقول لنا بقلبه الرَّحوم: "أعطني ضعفك وخطاياك وأنا أغفرها كلّها"؛ فيسوع يغفر كلّ شيء على الدوام وهذا هو فرحنا!
إذاعة الفاتيكان.