استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر الجمعة في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في الدورة السنويّة التي تنظمها محكمة التوبة الرسولية حول سرّ الاعتراف وللمناسبة ألقى الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وأكّد:
أن الاحتفال بسرّ الاعتراف يتطلّب تحضيرًا مناسبًا ومتجدّدًا لكي يتمكن الذين يقتربون من هذا السرّ من أن يلمسوا لمس اليد عظمة الرحمة مصدر السلام الداخلي.
إن سرّ الإيمان المسيحي قد وجد في هذه الكلمة – رحمة – ملخّصه، فهي قد أصبحت حيّةً ومرئيّة وبلغت ذروتها في يسوع الناصريّ. وبهذا المعنى فإن الرحمة وقبل أن تكون موقفًا معيّنًا هي فضيلة إنسانيّة، إنها خيار الله النهائي في سبيل خير كل كائن بشري وخلاصه؛ خيار مختوم بدم ابن الله.
يمكن لهذه الرحمة الإلهيّة أن تطال بشكل مجاني جميع الذين يطلبونها. في الواقع إن إمكانيّة المغفرة مفتوحة للجميع، لا بل هي مُشرَّعة على مثال أكبر باب للرحمة لأنها تتطابق مع قلب الآب الذي يحب وينتظر جميع أبنائه، وبشكل خاص الخاطئين منهم والبعيدين.
يمكن لرحمة الآب أن تطال كل شخص وبأساليب عديدة: من خلال انفتاح ضمير صادق، بواسطة قراءة كلمة الله التي تبدّل القلب، من خلال لقائنا بإخوة رحماء؛ في خبرات الحياة التي تحدثنا عن الجراح والخطيئة والمغفرة والرحمة.
من ناحية ثانية هناك درب أكيد للرحمة، وهذا الدرب هو يسوع الذي "لَه في الأَرضِ سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا" (لوقا 5، 24)، وقد نقل هذه الرسالة إلى الكنيسة. لذلك يشكّل سرّ المصالحة المكان المميّز لاختبار رحمة الله والاحتفال بعيد اللقاء مع الآب. فعندما نذهب كمعرّفين إلى كرسي الاعتراف لنستقبل الإخوة والأخوات، ينبغي علينا أن نتذكّر بأننا أدوات رحمة الله لهم؛ لنتنبّه إذًا لعدم وضع حواجز لعطيّة الخلاص هذه.
فالمعرّف هو أيضًا رجل خاطئ ويحتاج للمغفرة، وهو أول من يحتاج لرحمة الله الذي اختاره وأقامه ليقوم بهذه المهمّة العظيمة. ولذلك ينبغي عليه أن يتحلّى على الدوام بموقف إيمان متواضع وسخي وأن يكون لديه رغبة واحدة وهي أن يتمكن كل مؤمن من اختبار محبّة الآب.
إن كل مؤمن تائب وبعد أن ينال الحلّة من الكاهن يملك اليقين، بالإيمان، أن خطاياه قد محتها الرحمة الإلهيّة. فكل حلّة هي، نوعًا ما، يوبيل للقلب يُُفرِّح المؤمن والكنيسة والله بشكل خاص. ويسوع قد قال لنا: "هكذا يكونُ الفَرَحُ في السَّماءِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتوبُ أَكثَرَ مِنه بِتِسعَةٍ وتِسعينَ مِنَ الأَبرارِ لا يَحتاجونَ إِلى التَّوبَة" (لوقا 15، 7).
من الأهميّة بمكان إذًا أن يكون المعرف "قناة فرح" وألا يشعر المؤمن بعد نواله المغفرة بثقل خطاياه وإنما أن يتمكن من تذوّق عمل الله الذي حرره ويعيش شاكرًا ومستعدًّا للتعويض عن الشر الذي قام به ويذهب للقاء الإخوة بقلب صالح وجاهز للخدمة.
أيّها الإخوة الأعزاء إنها لعطيّة حقيقيّة في زمننا هذا المطبوع بالفردانيّة والعديد من الجراح أن نرى ونُرافق أشخاصًا يقتربون من الرحمة، لذلك يتطلّب منّا هذا الأمر حياة متطابقة مع الإنجيل ومحبّة أبويّة. لنضع في الوسط مجددًا سرّ المصالحة، فسحة الروح الحقيقيّة التي يمكننا أن نختبر فيها جميعًا محبة الله الثابتة والأمينة لجميع أبنائه.
لقد كان القديس ليوبولدو مانديتش يردد على الدوام "رحمة الله تفوق كل انتظاراتنا" وكان يقول للمتألّمين: "لدينا في السماء قلب أم. إن العذراء أمنا التي اختبرت عند أقدام الصليب جميع الآلام الممكنة لكائن بشريّ، هي تفهم معاناتنا وتعزينا". لتكن إذًا مريم، ملجأ الخطأة وأم الرحمة المرشدة والعضد الأساسي لخدمة المصالحة.