"لا يُمكن أن يوجد مسيحيّ بدون فرح" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهيّ صباح اليوم الإثنين في كابلة بيت القدِّيسة مرتا بالفاتيكان، وأكّد أنّه حتّى في آلام الحياة يعرف المسيحيّ أن يتّكل على يسوع وأن يعيش برجاء، كما وحثَّ المؤمنين على ألا يسمحوا للغنى بأن يسيطر عليهم لأنّه يحمل الحزن فقط.
المسيحيّ يعيش في الفرح والدّهشة بفضل قيامة يسوع المسيح (رسالة القدّيس بطرس الأولى 1/ 3-9)، حتّى وإن كنّا نعيش وسط المحن والتجارب ولكن لا يمكن لأيّ شيء أن يسلبنا فرح ما صنعه الرّبّ معنا إذ خلقنا مجدّدًا في المسيح ومنحنا الرَّجاء.
يمكننا أن نسير نحو ذاك الرَّجاء الذي كان المسيحيّون الأوائل يصفونه "كمرساة في السّماء"، ونحن أيضًا نسير نحو ذاك الرَّجاء الذي يُعطينا الفرح. المسيحيّ هو رجل أو امرأة فرح، رجل أو امرأة يحمل الفرح في قلبه. لا وجود لمسيحيّ بدون فرح! قد يقول لي أحدكم: "ولكن يا أبتي لقد رأيت العديد منهم"، أقول لكم: "هؤلاء ليسوا بمسيحيِّين! يقولون إنّهم مسيحيّون ولكنّهم ليسوا بمسيحيِّين بل ينقصهم شيء ما! إنّ هويّة المسيحيّ هي الفرح، فرح الإنجيل فرح أن يكون يسوع قد اختارنا وخلّصنا وخلقنا مجدّدًا، فرح ذاك الرَّجاء بأنّ يسوع ينتظرنا، الفرح الذي - حتّى في صلبان وآلام هذه الحياة - يعبّر بشكلٍ آخر بأنّه السَّلام في اليقين بأنّ يسوع يرافقنا وهو معنا.
المسيحيّ ينمّي هذا الفرح بالثقة بالله. فالله يتذكّر عهده على الدّوام، والمسيحيّ بدوره يعرف أنَّ الله يذكره ويحبّه ويرافقه وينتظره؛ وهذا هو الفرح. بعدها انتقل البابا في تأمّله الصباحيّ ليتوقـَّف عند إنجيل القدِّيس مرقس (10/ 17 -27) والذي يخبرنا عن لقاء يسوع بالشّاب الغنيّ، رجل لم يكن قادرًا على فتح قلبه على الفرح واختار الحزن: "انصَرَفَ حَزينًا، لأنَّهُ كانَ ذا مالٍ كَثير".
لقد كان متعلّقـًا بالخيور! ويسوع قد قال لنا أنّه لا يمكننا أن نخدم ربّين: فإمّا تخدم الرّبّ أو تخدم الغنى والمال. الغنى ليس أمرًا سيِّئًا بحدِّ ذاته، ولكن خدمة الغنى هي أمر سيّئ. لقد انصرف الشّاب المسكين حزينًا... "اغتَمَّ لِهَذا الكَلام، وَانصَرَفَ حَزينًا". عندما نجد في رعايانا وجماعاتنا ومؤسَّساتنا أشخاصًا يقولون إنّهم مسيحيِّين ويريدون أن يكونوا مسيحيِّين ولكنّهم حزينين، يكون هناك شيء ما ليس على ما يرام وينبغي علينا أن نساعدهم ليجدوا يسوع ولينزعوا هذا الحزن ويتمكّنوا من أن يفرحوا بالإنجيل ولكي يكون فيهم فرح الإنجيل هذا.
الدّهشة هي أمر جيّد إزاء الوحيّ ومحبّة الله وإزاء المشاعر التي يولّدها فينا الرّوح القدس. المسيحيّ هو رجل أو امرأة دهشة. وأضاف هناك كلمة تعود اليوم أيضًا في نهاية الإنجيل، فعندما شرح يسوع لتلاميذه أنّ ذاك الشّاب الصّالح لم ينجح في اتّباعه لأنّه متمسّك بالغنى والمال؛ فَدَهِشَ تَلاميذُهُ لِكَلامِهِ وَقالَ بَعضُهُم لِبَعض: "فَمَن يَقَدِرُ أَن يَخلُص؟" فَحَدَّقَ إِلَيهِم يَسوع، وَقال: "هَذا شَيءٌ يُعجِزُ ٱلنّاسَ وَلا يُعجِزُ الله. إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدير".
وحدها قوّة الرّوح القدس بإمكانها أن تمنحنا الفرح المسيحيّ ودهشة الفرح بأنّنا قد خُلّصنا من العيش متمسّكين بأمور الدنيا التي تبعدنا عن يسوع. لنطلب اليوم من الرَّبّ أن يعطينا هذه الدّهشة أمامه وأمام العديد من الكنوز الروحيّة التي منحنا إيّاها، وبهذه الدّهشة يعطينا الفرح، فرح حياتنا وفرح العيش بسلام في قلوبنا بالرّغم من العديد من الصّعوبات؛ وليحفظنا في سعينا إلى السَّعادة في أمور تحملنا في النهاية إلى الحزن: تعد كثيرًا في البداية ولكنّها لا تعطينا شيئًا! تذكروا جيّدًا وعلى الدوام: المسيحيّ هو رجل أو امرأة فرح، فرح في الرّبّ؛ وهو رجل أو امرأة دهشة!
إذاعة الفاتيكان.