"إن العقيدة الحقيقيّة ليست تمسُّكًا بحرفيّة الشريعة التي تسحر كالإيديولوجيات، وإنما هي ظهور الله الذي يسمح بأن يجده يوميًا كل من ينفتح على الروح القدس" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس في عظته مترئسًا القداس الإلهي في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان.
تحدثنا القراءات التي تقدمها لنا الليتورجية اليوم (غلا 3/ 1- 5) - (لو11/ 5- 13) عن الروح القدس عطيّة الآب والقوّة التي تدفع الكنيسة للخروج بشجاعة لكي تصل إلى أقاصي العالم. إن الروح القدس هو رائد مسيرة الكنيسة هذه، وبدونه نبقى في الانغلاق والخوف.
ثلاثة مواقف ينبغي علينا أن نتحلّى بها مع الروح القدس. الموقف الأول هو الذي يوبّخ عليه القديس بولس أهل غلاطية الذين يعتبرون أنّهم قد تبرّروا بفضل الشريعة وليس بيسوع الذي يعطي الشريعة معناها، وبالتالي كانوا قساة ومتعلّقين بحرفية الشريعة تمامًا كأولئك الذين كانوا يهاجمون يسوع والذين كان الرب يدعوهم مرائين.
إن التعلّق بالشريعة يجعلنا نتجاهل الروح القدس، لا يسمح لقوة فداء المسيح بأن تسير قدمًا بفضل الروح القدس، بل يتجاهلها ويختار الشريعة فقط. صحيح أن هناك الوصايا وينبغي علينا أن نتبعها وإنما هناك نعمة هذه العطيّة الكبرى التي منحنا الآب إياها وهي عطيّة الروح القدس.
وعندها يمكننا أن نفهم الشريعة ولكن لا يجب علينا أن نحدَّ الروح القدس والابن في الشريعة فقط. لقد كانت هذه مشكلة هؤلاء الأشخاص: لقد تجاهلوا الروح القدس ولم يعد بإمكانهم المضي قدمًا. لقد كانوا منغلقين في الشرائع والقوانين: ينبغي علينا أن نفعل هذا أو ذاك، وأحيانًا قد نسقط نحن أيضًا في هذه التجربة.
لقد كان علماء الشريعة يسحرون من خلال الأفكار لأن الإيديولوجيات تسحر وتخلب الأذهان ولذلك يبدأ القديس بولس رسالته بالقول: "يا أَهلَ غَلاطِيَةَ الأَغبِياء، مَنِ الَّذي فَتَنَكُم، أَنتُمُ الَّذينَ عُرِضَت أَمامَ أَعيُنِهِم صورَةُ ٱلمَسيحِ ٱلمَصلوب؟" (غلا3/ 1) إن الذين يبشرون بالإيديولوجيّات يسحرون لأنهم يقدّمون كلّ شيء وكأنّه واضح وصحيح. لكن وحي الله ظاهر أيضًا ويظهر لنا يوميًّا أكثر فأكثر خلال المسيرة وبالتالي ينبغي علينا أن نبحث عنه لنجده خلال مسيرتنا، أمّا الذين يعتبرون بأنهم يعرفون كلّ شيء ليسوا جاهلين وإنّما كما يقول القدّيس بولس هم أغبياء لأنهم سمحوا لأمر ما بأن يسحرهم.
الموقف الثاني هو إِحزان الرّوح القدس وذلك عندما لا نسمح له بأن يُلهمنا وأن يقودنا قدمًا في حياتنا المسيحيّة وعندما لا نسمح له بأن يقول لنا، لا بلاهوت الشريعة وإنّما بحريّة الروح القدس، ما ينبغي علينا فعله. نصبح هكذا فاترين وتصبح حياتنا المسيحيّة دون المستوى لأنّ الرّوح القدس لا يمكنه أن يعمل فينا.
أمّا الموقف الثالث فهو الانفتاح على الرّوح القدس والسماح له بأن يحملنا قدمًا، وهذا ما فعله الرسل بشجاعة يوم العنصرة، تخطوا الخوف وانفتحوا على الروح القدس. لكي نفهم كلمات يسوع ونقبلها من الأهميّة بمكان أن ننفتح على قوة الروح القدس. فعندما ننفتح على الروح القدس نصبح كمركب شراعي يسمح للهواء بأن يقوده قدمًا بدون أن يوقفه شيء، ولكن لكي ننفتح على الروح القدس ينبغي علينا أن نصلّي.
يمكننا أن نسأل أنفسنا اليوم خلال نهارنا: هل أتجاهل الروح القدس؟ وهل يكفي أن أذهب إلى القداس يوم الأحد وأتمم واجباتي الدينيّة؟ ثانيًا هل أعيش نصف حياة أو حياة فاترة تُحزن الروح القدس وتحرمني من قوّة السَّير قدمًا ومن الانفتاح أم أنّ حياتي هي صلاة مستمرَّة لأنفتح على الروح القدس فيحملني قدمًا في مسيرتي بفرح الإنجيل ويجعلني أفهم تعليم يسوع، وأفهم أيضًا ضعفي وما يحزنه فأسير حاملاً اسم يسوع إلى الآخرين وأعلمهم درب الخلاص. ليمنحنا الربّ هذه النعمة أن ننفتح على الروح القدس لكي لا نصبح أغبياء أو أشخاصًا يُحزنون الروح القدس!
إذاعة الفاتيكان.