"ليمنحنا الرّب نعمة "الخجل" إزاء تجربة الطّمع بالمناصب التي تطال الجميع حتّى الأساقفة والرعايا" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القدّاس الإلهي صباح اليوم الثلاثاء في كابلة بيت القدّيسة مرتا بالفاتيكان وذكّر المؤمنين في هذا السياق أن مَن أَرادَ أَن يَكونَ أَوَّلَ القوم، فَليَكُن آخِرَهُم جَميعًا وَخادِمَهُم.
قال الأب الأقدس جميعنا نتعرّض للتجارب! استهلّ الأب البابا فرنسيس عظته انطلاقـًا من واقع الحياة المسيحيّة هذا ومن القراءات التي تقدّمها لنا الليتورجيّة اليوم الأولى من سفر يشوع بن سيراخ (2/ 1 -13) والتي تذكّرنا أن من يقبل أن يخدم الرّب يجب عليه أن يثبت على البرِّ والتقوى ويُعدَّ نفسه للتجربة والإنجيل من القدّيس مرقس (9/ 30- 37) والذي يخبر فيه يسوع تلاميذه أنّ ابنَ الإِنسانِ سَيُسلَمُ إِلى أَيدي النّاسِ فَيَقتُلونَهُ، وَبَعدَ قَتلِهِ بِثَلاثَةِ أَيّامٍ يَقوم. ولكنّهم َلَم يَفهَموا هَذا الكَلام، وَخافوا أَن يَسأَلوه.
هذه هي تجربة عدم إتمام الرّسالة وقد تعرّض لها يسوع أيضًا أوّلاً عندما جرّبه الشيطان في البريّة ثلاث مرّات ومن ثمّ بواسطة بطرس عندما أعلن عن موته؛ ولكن هناك تجربة أخرى يحدّثنا عنها إنجيل اليوم: لقد كان التلاميذ يَتباحَثونَ في الطَّريقِ في مَن هُوَ الأَكبَر وعندما سَأَلَهُم يسوع: "فيمَ كُنتُم تتباحَثونَ في الطَّريق؟" َظَلّوا صامِتين لأنّهم خجلوا من ذاك الحديث. لقد كانوا أشخاصًا طيّبين وصالحين يريدون اتّباع الرّب وخدمته ولكنّهم كانوا يجهلون أنّ درب خدمة الربّ ليست سهلة وليست كالتطوّع في مؤسّسة ما أو رابطة ما لعمل الخير، وبالتالي كانوا يخافون.
من ثمّ هناك تجربة روح العالم: وهذه التجربة قد عاشتها الكنيسة منذ بداياتها ولا تزال تعيشها اليوم أيضًا. لنفكّر بهذا الإطار بالرعايا والنزاعات التي نعيشها: "أريد أن أصبح رئيسًا لتلك الرّابطة!" أو "من هو الأكبر في هذه الرعيّة؟" أو "أنا أهمّ من فلان لا بل هو قد فعل كذا وكذا..." وننطلق بسرد لائحة خطاياه.
التجربة تحملنا على التكلّم بالسّوء عن الآخرين والتمسّك بالمناصب. أحيانًا، وأقولها بخجل، نعيشها نحن الكهنة: "أريد تلك الرعيّة..." لكنّ الرب هنا أيضًا... لا أريد تلك الرعيّة...! هذه ليست درب الربّ وإنّما درب الغرور ودرب روح العالم.
حتى بيننا نحن الأساقفة يحصل الأمر عينه ويأتينا روح العالم كتجربة فأكون على سبيل المثال في هذه الأبرشيّة ولكنني أنظر إلى أبرشيّة أخرى أكثر أهميّة وأعمل كلّ ما بوسعي من خلال معارفي لكي أصل إليها ولكن الرّب هنا! إنّ الرّغبة بأن نكون أكثر أهميّة تدفعنا للسّير على درب روح العالم ولذلك ينبغي علينا أن نطلب من الرّب دائمًا نعمة "الخجل" عندما نجد أنفسنا في أوضاع كهذه.
يسوع قد قلب هذا المنطق رأسًا على عقب فَجَلَسَ وَدَعا الإثنيّ عَشَرَ، وَقالَ لَهُم: "مَن أَرادَ أَن يَكونَ أَوَّلَ القوم، فَليَكُن آخِرَهُم جَميعًا وَخادِمَهُم". ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ طِفل. فَأَقامَهُ بَينَهُم وَضَمَّهُ إِلى صَدرِهِ، وَقالَ لَهُم: "مَن قَبِلَ واحِدًا مِن هَؤُلاءِ الأَطفالِ إِكرامًا لأسمي، فَقد قَبِلَني. وَمَن قَبِلَني، فَلَم يَقبَلني أَنا، بَلِ الَّذي أَرسَلَني".
لنصلِّ إذًا من أجل الكنيسة لكي يحفظنا الرّب من المطامح ومن روح العالم ومن الشّعور الكاذب بأنّنا أفضل من الآخرين. ليمنحنا الربّ نعمة "الخجل" عندما نجد أنفسنا في هذه الأوضاع وأمام هذه التجربة وليسأل كلّ منّا نفسه: "كيف يمكنني أن أستغلّ الربّ لأصل إلى المناصب وأنا أراه معلّقـًا على الصّليب؟". ليمنحنا الربّ أيضًا نعمة بساطة الأطفال لنفهم معنى درب الخدمة!
إذاعة الفاتيكان.