عُقدت ندوة صحفيّة في "المركز الكاثوليكيّ للاعلام"، بدعوة من اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام حول "الإرشاد الرسوليّ" فرح الحبّ Amoris Laetitia للبابا فرنسيس، الصّادر في 19 آذار المنصرم، حول العائلة.
شارك فيها رئيس أساقفة بيروت للموارنة، ورئيس اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، النائب البطريركيّ العام على أبرشيّة جونية المارونيّة ورئيس اللّجنة الأسقفيّة للعائلة والحياة في لبنان المطران أنطوان نبيل العنداري، مدير المركز الكاثوليكيّ للاعلام الخوري عبده أبو كسم، الدكتورة جوسلين خويري، بحضور مدير صوت الإنجيل الأب أغسطينوس حلو وإعلاميِّين ومهتمّين.
المطران بولس مطر
بداية، رحّب المطران بولس مطر بالحضور وقال: "يشرّفنا أن نعقد هذه الندوة حول العائلة، لا بل حول تعليم البابا الذي أطلقه يوم الجمعة الماضي كرسالة خاصّة. هذا الموضوع له أهميّة كبرى في حياة الكنيسة أوّلاً وفي حياة العالم كلّه، العائلة هي حجر أساس في بناء الحياة وبناء المجتمع وبناء الكنيسة والمستقبل والأوطان كلّها".
وتابع: "البابا يقول للعالم بأسره أنّ العائلة كنز الكنوز في حياتنا، لأنّ العائلة تضرب اليوم لا في الواقع وحسب، بل تضرب في الفكرة وفي الأساس، هناك مَن يقولون لا ضرورة للعائلة، هناك من يضربون فلسفة العائلة، فلسفة الأمانة، فلسفة الحياة، لذلك الكنيسة معنية بوضع الأمور في نصابها. يقول البابا "أنّ الربّ يسوع قد افتدى العالم بصليبه وافتدى العائلة بصليبه أيضا" فحوّلها من جديد إلى سرّ من أسرار الكنيسة إلى علامة عن محبّة الله للكون، إلى علامة عن محبّة الكنيسة للمسيح ومحبّة المسيح لكنيسته".
وجاء في مداخلة المطران أنطوان نبيل العنداري ما يلي:
"وقـَّع قداسة البابا فرنسيس في التاسع عشر من شهر أذار المنصرم، يوم عيد مار يوسف، الإرشاد الرسوليّ "فرح الحبّ - Amoris Laetitia" حول العائلة، وأصدره يوم الجمعة في الثامن من شهر نيسان الحالي".
أضاف: "يتألف الإرشاد الرسوليّ "فرح الحبّ" من مقدّمة وفصول تسعة وخاتمة، وقد تمَّت ترجمته إلى لغات ثمان، الإيطاليّة والفرنسيّة والإنكليزيّة والإسبانيّة والألمانيّة والبولونيّة والبرتغاليّة والعربيّة".
وتابع "الفصل الأوّل عنوانه "على ضوء الكلمة" يرتكز قداسة البابا فرنسيس في تفكيره إنطلاقـًا من الكتب المقدّسة متأمِّلاً بنشيد المراقي في المزمور 128: "طوبى لجميع الذين يتقون الرَّبّ وفي سبله يسيرون...."،
وفي الفصل الثاني الواقع والتحديات التي تواجهها العائلة، فالعائلة تواجه خطر تفاقم الفردانيّة، التي تشوّه الروابط العائليّة، فتصل بالإنسان إلى أن يبني ذاته بأنانيّة وفق رغباته الخاصَّة التي تتغلّب على محبّة الغير وتصبح في مصاف المطلق. ويحذر البابا فرنسيس من نتائج وآثار الهبوط الديموغرافي العائد إلى ذهنية مضادة للولادات تشجعها سياسات عالميّة في مجال الصّحة التناسليّة. إنّ الكنيسة ترفض، بكلّ قواها، سياسات الدّول القمعيّة بشأن منع الحمل، والعقم والإجهاض عدد 42. ويبيّن قداسته بأنّ النقص الحاصل في المسكن اللّائق أو المناسب يقود غالبًا إلى تأخير بناء العلاقة العائليّة والبيتيّة. فالعائلة والبيت آمران متلازمان. ويُشدّد قداسة البابا على أنّ التعدي الجنسِّي على الأطفال يصبح شائنًا وأكثر عارًا عندما يحصل في الأماكن التي يفترض بها أن تحمي الطفولة كالعائلة والمدرسة والجماعات والمؤسّسات المسيحيّة عدد 45.
كما يستعرض قداسته أوضاع هجرة العائلات النّازحة مشيرًا إلى إضطهاد المسيحيِّين والأقليّات الإتنية والدينيّة في أماكن عديدة من العالم ومن بينها الشّرق الأوسط. ويؤكّد الإرشاد على الرّباط الحصري الذي لا تنفصم عراه بين الرَّجل والمرأة. ولا يُمكن مقارنة المساكنة والإرتباط بين الأشخاص المثليّين بالزواج الطبيعيّ. ويشدّد على حقوق المرأة، وأنّه لـَـمِن المُخزي ممارسة العنف على النّساء: عنف الكلام، العنف الجسديّ والجنسيّ.
يرسم الإرشاد الرسوليّ في الفصل الثالث الذي يحمل عنوان "النظرة إلى المسيح: دعوة العائلة" تعليم الكنيسة والوثائق الصّادرة عن المجمع الفاتيكانيّ الثاني والوثائق الحبريّة التي تفيد بأن سرّ الزواج ليس عقدًا أو عرفًا اجتماعيًّا بل عطيّة لتقديس وخلاص الزوجين.
الفصل الرّابع وعنوانه الحبّ في الزواج، يدعو قداسته الزّوجين إلى النمو في الحبّ الزّوجيّ وشركة الحياة، إلى الفرح والجمال، إلى الحوار وإلى العِفة دون التقليل من أهميّة المشاعر والرَّغبات علمًا أنّ الحياة الجنسيّة هي هبة عظيمة. ويتوجّه الإرشاد إلى الشبيبة ليذكرهم بجديّة الإلتزام العلنيّ في الحبّ مشيرًا إلى أنّ قرار الزواج لا يجب أن يكون متسرِّعًا ولكن في الوقت عينه لا يحتمل التأجيل إلى ما لا نهاية.
الفصل الخامس "الحبّ الذي يصبح خصبًا"، الحبّ يعطي الحياة دائمًا ويستقبل الحياة، ويتكلّم الإرشاد عن الولادات غير المرغوبة ومسؤولية الحفاظ عليها، وأنّ كثرة الأولاد في العائلة تشكّل فرحًا للكنيسة. ويتوقـّـف الإرشاد عند مسألة حضور الوالدين في العائلة بالرّغم من ضغوطات الحياة والظروف الإقتصاديّة. كما يفرد مساحة للكلام عن أهميّة التبني، ويُنهي بالإنتباه إلى الموقف المُرحّب من أقارب كلّ من الزّوجين المسنين.
يصل في الفصل السّادس إلى "بعض الأفاق الراعويّة" يطلب قداسة البابا مزيدًا من الجهود لإعلان البشارة والتعليم المسيحيّ لعائلة اليوم. ويتوقف بصورة مسهبة عند التحضير الوافي للزواج، ويوصي بمرافقة الأزواج في السنوات الأولى من حياتهم الزوجيّة.
يكرِّس الإرشاد الرسوليّ "فرح الحبّ" الفصل السّابع وعنوانه "توطيد التربية للأولاد - للتوسع في تربية الأولاد" ومسؤولية ودور الأهل الأساسيّة في هذا المجال من حيث التوجيه والمرافقة والحماية. ولا يجوز للأهل، بالرغم من الحاجة إلى المؤسّسات التربويّة، أن يفوّضوا الأمر أو يتكلوا عليها، فلا بديل عن الأهل في التربية.
أمّا الفصل الثامن وعنوانه "رافق، ميز واستوعب الضعف" فيشكّل دعوة إلى الرّحمة وإلى التّمييز الراعويّ. يتناول هذا الفصل من الإرشاد الأمور الدقيقة، وعلى من يقرأه أن يتذكر أنّ رسالة الكنيسة هي بمثابة مستشفى ميداني عدد 291. ثمّ يتحدّث الإرشاد الرسوليّ عن "منطق الرّحمة الراعويّة". ويدعو قداسته المؤمنين الذين يعيشون أوضاعًا صعبة أن يتقرّبوا بثقة من رُعاتهم. ويدعو الرُّعاة إلى الإصغاء بمودّة وصفاء من أجل المساعدة عدد 312.
يعالج الفصل التاسع والأخير من هذا الإرشاد "الروحانيّة الزوجيّة والعائليّة" يتكلّم هذا الفصل بوضوح عن روحانيّة الحُبّ العائليّ المسكون من الحبّ الإلهيّ عدد 315. إنّ أوقات الفرح والرّاحة والعيد وحتى الحياة الجنسيّة في العائلة بإمكانها أن تكون مُعاشة على ضوء فصح وقيامة السيِّد المسيح عدد 317. ويتكلم قداسته على روحانيّة الإنتباه والتعزية والتشجيع عدد 322. وينتهي الإرشاد الرسوليّ "فرح الحبّ" بالصّلاة للعائلة المقدّسة.
ثم تحدثت خويري فقالت: "يُظهر لنا الإرشاد الرسوليّ الخاصّ بموضوع العائلة أنّ الأولويّة في المقاربة للموضوع أعطيت لطابع الفرح والحبّ الذي تتميز به العائلة، كونها جماعة تجسِّد في تكوينها وأدائها حبّ الله المجانيّ، النهائيّ وغير المشروط، الذي يتدفق إلى المجتمع البشريّ بواسطتها.
وقد كرّس قداسة البابا كلّا من الفصلين الرابع والخامس للتأمل في معطيات هذا الحبّ المتأصل في الإنسان في نظام الخلق كما في نظام النعمة، والقادر وحده على ضمان استمراريّة فضيلة الحبّ في كلّ أبعاده: الزوجيّة، الأبويّة والبنويّة والأخويّة، مع ما يولده من روح الإنفتاح والتضامن والمسؤوليّة والثبات في التصدي لروح الفرديّة والماديّة التي تعززها حضارة اليوم.
إنّ العرض والتحليل الكتابي، النفسيّ والأنتروبولوجي الذي تميز به الإرشاد الرسوليّ هذا، يدعونا لأن نتوقـَّف بتأنٍ أمام كلّ ما ورد فيه، باعتباره موضوع تأمل عائليّ وزوجيّ يصلح لأن تُعقد حوله لقاءات التنشئة العائليّة والشبيبيّة، كما يضيء الإرشاد على معنى الحريّة المسؤولة القادرة على الإستجابة لنداء المحبّة الإلهيّة لأجل بناء إنسان أفضل.
كما يشجّع الإرشاد شباب اليوم على خوض مغامرة الإلتزام وتحدياته في مواجهة حضارة "اللّحظة الحاضرة" التي ينساق إلى سهولتها وتعدديتها الكثير ممن وقعوا في فخِّ أفراح واهمة لا تؤدي إلّا إلى المزيد من الأنانيّة والإنطواء والعقم.
يدعونا الإرشاد الرسوليّ حول العائلة إلى العمل على إعادة إكتشاف هذا الكنز وعالمنا بأمس الحاجة إليه كونه لا يستبدل بأي واقع آخر. فالعائلة القائمة على الحبّ الزوجيّ الثابت هي عنصر استقرار للمجتمع ككلّ ومنبع دعوات للقداسة في عالمنا، قادر على انتشاله من هاوية الأنانيّة والعنف والإنغلاق".
واختتمت الندوة بكلمة للأب عبده أبو كسم جاء فيها: "الإرشاد الرسوليّ ليس هو الأوّل الذي يتكلّم عن العائلة المسيحيّة لكن ميزته أنّه يكمل الإرشاد السّابق للبابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني و"ظائف العائلة المسيحيّة" و"رسالة إلى الأسر"، وهذا الإرشاد يفتح آفاقـًا جديدة مع تطورات العصر والعولمة التي جعلت من هذا الكون قرية صغيرة ضاعت واختلطت بها القيم التي تنطلق من العائلة التي هي الأساس ومن الأخلاق والتربية المسيحية".
الإرشاد الرسوليّ يصلح للتّعليم في المدارس، يصلح للتحضير للزواج وهذا عمل أساس، وهو يتطرّق إلى الإجهاض ووسائل منع الحمل والقتل الرحيم كلّ ذلك يتعرّض له الزوجان، والإرشاد يؤكّد أن الزواج المثلي مرفوض من الكنيسة، ويعطي الأجوبة على أمور كثيرة تضرب مجتمعنا مثل الإباحيّة والجنس والمخدارت.
الإرشاد يصلح أن يكون ملازمًا لحياة الأزواج، يصلح أن يكون مادّة تدرّس في الجامعات، ويجب أن يكون بمتناول كلّ الكهنة في سهراتهم الإنجيليّة واللّجان في الرّعايا لإستثماره".
المركز الكاثوليكي للإعلام.